خرج من البلاد ودخل ديرا في " برغونيا" حينئذ ابتدأت سلطة المقربين إليها في الرجوع إلى البلاد· فكان تاريخ ملكها مدة بضع سنين عبارة عن حيل ومكائد وذلك مع بعض الشعب الذي لها في كل الممكلة الذي نشأ عنه متأخرات دائمة في البلاط، وتوارث في البلاد، ومما زاد خصام الأحزاب قوة النزاع الذي جرى بين " لويس الثالث أنجو" و" ألفونسو دو أراغون" اللذين كانا يدعيان حق الخلافة· أما حنة فحكمت به أولا ل " ألفونسو" ثم عكست حكمها وعند وفاة " لويس الثالث" حكمت لرجل آخر من بيت " أنجو" أما " ألفونسو" فقبض على صولجان الملك رغما من الوصية التي حرمته إياها·
[حنة مورندي منزوليني]
كانت أبرع نساء زمانها بفن التصاوير والتماثيل، لأنها أخذته عن زوجها " منزوليني" وكان ماهراً في التشريح والرسم والتصوير، وفي نقش الشمع لعمل التماثيل، ولكنه ضعيف الرأي عصبي المزاج سوداويه، وكانت زوجته على جانب عظيم من النباهة والفطنة فتعلمت منه عمل التماثيل الشمعية، وأتقنته غاية الإتقان، وكانت تساعده في أعماله· وكان " منزوليني" ملازماً ل " للي" المصور الشهير في أعماله ويساعده على أشغاله، فوسوس شيطان الظنون في أذني " منزوليني" وظن أن " للي" عازم على أن يستأثر بالاسم والشهرة من عمل تلك التماثيل ولا يبقى له اسم فيها، فعزم على تركه· وكان " للي" دائما يعترف بفضله ويقول: إنه لولا مساعدة " منزوليني" لم يستطع عمل تلك التماثيل، فلما رأت حنة خطأ زوجها عزمت أن تتعلم منه فن التشريح وتتم العمل الذي أحجم عنه حفظا لصيته فأجابها إلى طلبها لشدة تعلقه بها وعلمها هذا الفن فدرسته برغبة شديدة، وقرأت أحسن المصنفات فيه وشرحت الأجساد البشرية بيدها رغما عما وجدته في نفسها من الكراهة الشديدة لذلك فإنها كثيرا ما كانت تمرض من رؤية الأجساد المشرحة ولكنها كانت تتغلب على ما بها من الضعف الطبيعي حتى أتقنت هذا الفن واكتشفت فيه اكتشافات كثيرة· وفي غضون ذلك أنشأ أحد الأطباء مدرسة لتعليم فن الولادة وطلب إليها أن تصنع له أجنة من الشمع متفاوتة في النمو فصنعت له الأجنة المطلوبة على غاية الإتقان، ثم جعلت تقدم خطابا في فن التشريح العلمي وتشريح المقابلة وأتقنتها أشد الإتقان فذاع صيتها حتى عم أوروبا لغزارة معارفها وحسن أسلوبها في التعليم· وفي سنة ١٧٥٥م توفي زوجها عن ولدين صغيرين فحزنت عليه حزنا شديدا لأنها كانت تحبه حبا مفرطا مع كثرة عيوبه ولكنها لم تنفك عن خدمة العلم· وفي السنة الأولى من ترملها انتخبت عضوا في المجمع العلمي ب " بولونيا" ثم في مجامع أخرى كثيرة وجعلتها حكومة " بولونية" أستاذة تشريح في مدرسة " بولونية" الطبية ولكن الانتظام في سلك هذه الجمعيات كان نفعه معنويا لا ماديا لأنها كانت في حالة يرثى لها من الفقر، ولم تزد أجرتها في مدرسة الطب عن ثلثمائة فرنك في السنة، وكانت على جانب عظيم من الجمال، ولكنها كانت عفيفة النفس طاهرة السيرة والسريرة لأن العلم يعصم ذويه عن ارتكاب الدنايا· وفي سنة ١٧٦٥م طلبت من الحكومة أن تزيد راتبها وتجعله خمسمائة فرنك في السنة فلم تجبها إلى طلبها ولكن أحد أرباب الحكومة وهوالكونت " أنوزي" أباح لها أن تقيم في بيته آكلة شاربة بشرط أن تعطيه بدل ذلك كل كتبها واستحضاراتها التشريحية، فأقامت عنده لأن الفقر كان قد أذلها·
ولكن الكونت أكرم مثواها وأبقى لها كتبها واستحضاراتها فوهبا للمجمع العلمي حيث هي إلى يومنا وفيها الأجزاء الصغيرة من جسد الإنسان كالأوعية الشعرية التي ترى بالعين، وهي في غاية الضبط والإحكام· وكانت كغيرها