[نوار بنت أعين بن صعصعة]
ابن ناجية بن عقال المجاشعي كانت أحسن نساء زمانها وجها وأجملهن خلقا, وأفصحهن منطقا. وكانت ذات أدب زائد, ومعرفة تامة بالأوابد, مكرمة عند قومها مسموعة الكلمة فيهم تزوج بها الفرزدق -الشاعر المشهور- رغما عنها. قيل: إن سبب زواجها به أنه كان خطبها رجل من بني عبد الله بن دارم فرضيت به وكان الفرزدق وليها وهو ابن عمها, فأرسلت إليه أن زوجني من هذا الرجل. فقال لها: لا أفعل إلا أن تشهدي بأنك قد رضيت بمن أزوجك به ففعلت.
فلما توثق منها قال: أرسلي إلى القوم أن يأتوا, فجاء بنو عبد الله بن دارم فلما اجتمعوا في مسجد بني مجاشع وجاء الفرزدق فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: قد علمتم أن النوار قد ولتني أمرها وأشهدكم أني قد زوجتها نفسي على مائة ناقة حمراء سوداء الحدق فنفرت من ذلك وأرادت الشخوص إلى عبد الله بن الزبير حين أعياها أهل البصرة أن لا يطلقوها من الفرزدق حتى يشهد لها الشهود, وأعياها الشهود أن يشهدوا لها اتقاء الفرزدق وابن الزبير يومئذ أمير الحجاز والعراق يدعي له بالخلافة فلم تجد من يحملها إليه, وأتت فتية من بني عدي بن عبد مناة ويقال لهم: بنو أم النسير فسألتهم برحم تجمعهم وكانت بينها وبينهم قرابة فأقسمت عليهم ليحملنها, فحملوها فبلغ ذلك الفرزدق فاستنهض عدة من أهل البصرة فأنهضوه وأوقروا له عدة من الإبل وأعين بنفقة فتبع النوار. وقال:
لولا أن يقول بنو عدي ... ألم تك أم حنظلة النوار
أتتكم يا بني ملكان عني ... قواف لا تقسمها البحار
وقال فيهم أيضا:
لعمري لقد أردي النوار وساقها ... إلى اليوم أحلام خفاف عقولها
أطاعت بني أم النسير فأصبحت ... على قتب يعلو الفلاة دليلها
وقد سخطت مني النوار الذي ارتضى ... به قلبها الأزواج خاب رحيلها
وإن امرأ أمسى يخبب زوجتي ... كساع إلى أسد الشرى يستبيلها
ومن دون أبواب الأسود بسالة ... وبسطة أيد يمنع الضيم طولها
وإن أمير المؤمنين لعالم ... بتأويل ما أوصى العباد رسولها
فدونكها يا ابن الزبير فإنها ... مولعة يوهى الحجارة قيلها
وما جادل الأقوام من ذي خصومة ... كورها مشنوء إليها حليلها
فأدركها وقد قدمت مكة فاستجارت بخولة بنت منظور بن زبان الفزاري وكانت عند عبد الله بن الزبير, فلما قدم الفرزدق إلى مكة اشرأب الناس غليه ونزل على بني عبد الله بن الزبير فاستنشدوه واستحدثوه فكان مما أنشدهم قوله: