[عفراء بنت مهاصر بن مالك بن حزام بن ضبة بن عبد بن عذرة]
كانت من أعظم مشاهير عصرها حسنا وجمالا، وأدبا وظرفا وفصاحة. شغف بها عروة بن (حزام) أخي مهاصر وكلاهما ابنا مالك - وهو المشهور بالعشق. قيل: إنه أول عاشق مات بالهجر ولشدة مقاساته في العشق ضرب به المثل، وكان سبب عشقه لها أن أباه حزاما توفي ولعروة من العمر أربع سنين وكفله مهاصر أبو عفراء فانتشآ جميعاً فكان يألفها وتألفه، فلما بلغا الحلم سأل عمه تزويجها فوعده ذلك.
ثم أخرجه إلى الشام وجاء ابن أخ له يقال له: أثالة بن سعيد بن مالك يريد الحج فنزل بعمه مهاصر فبينما هو جالس يوما تجاه البيت إذ خرجت عفراء حاسرة عن وجهها ومعصميها وعليها أزار خز، فلما رآها وقعت من قلبه بمكانة عظيمة فخطبها من عمه فزوجه بها وأن عروة أقبل مع العير في اليوم الذي حملت مع زوجها فعرفها من البعد، وأخبر أصحابه، فلما التقيا وعرف الأمر بهت لا يحير جوابا حتى افترق القوم، فأنشد:
وإني لتعروني لذكراك رعدة ... لها بين جلدي والعظام دبيب
فما هو إلا أن أراها فجاءة ... فأبهت حتى ما أكاد أجيب
فقلت لعراف اليمامة داوني ... فإنك إن ب {أتني لطبيب
فما بي من حمى ولا مس جنة ... ولكن عمي الحميري كذوب
عشية لا عفراء منك بعيدة ... فتسلو ولا عفراء منك قريب
وبي من جوى الأحزان والبعد لوعة ... تكاد لها نفس الشفيق تذوب
ولكنما أبقى حشاشة مقول ... على ما به عود هناك صليب
وما عجب موت المحبين في الهوى ... ولكن بقاء العاشقين عجيب
وحين وصل الحي أخذه الهذيان والقلق وأقام أياما لا يتناول قوتا حتى شفت عظامه ولم يخبر بسره أحدا وإنه تمرض بين أهله زمانا، ولما يئس من الشفاء وعلم الضجر من أهله قال لهم: احتملوني إلى البلقاء فإني أرجو الشفاء.
فلما حل بها جعل يسارق عفراء النظر في مرورها عاودته الصحة، فأقام كذلك إلى أن لقيه شخص من عذرة فسلم عليه، فلما أمسى دخل العذري على زوج عفراء وقال له: متى قدم هذا الكلب عليكم فقد فضحكم بكثرة ما يتشبب بكم فقال: من تعني؟ قال: عروة. قال: أنت أحق بما وصفت والله ما علمت بقدومه وكان زوج عفراء متصفا بالسيادة ومحاسن الأخلاق في قومه.
فلما أصبح جعل يتصفح الأمكنة حتى لقي عروة فعاتبه وأقسم أن لا ينزل إلا عنده، فوعده ذلك، فذهب مطمئنا.
وأما عروة فإنه عزم أن لا يبيت الليل وقد علموا به فخرج فعاوده المرض فتوفي بواد القرى دون منازل قومه، ولما بلغ عفراء وفاته قالت لزوجها: قد تعلم ما بينك وبيني وبين الرجل من الرحم وما عندي من الوجد وإن ذلك على الحسن الجميل فهل تأذن لي أن أخرج إلى قبره فأندبه فقد بلغني أنه قضى. قال: ذلك لك، فخرجت حتى أتت قبره فتمرغت عليه وبكت طويلا ثم أنشدت:
ألا أيها الركب المجدون ويحكم ... بحق نعيتم عروة بن حزام
فإن كان حقا ما تقولون فاعلموا ... بأن قد نعيتم بدر كل ظلام
فلا لقي الفتيان بعدك راحة ... ولا رجعوا عن غيبة بسلام