وفي سنة ٤٨٦ هـ أرسلت "تركان خاتون" جيشا مع الأمير "أنز" لقتال "توران شاه بن قاورت بيك" حاكم بلاد فارس فسار إليه وحاربه وأخذ أكثر بلاده وبقي حاكما عليها، ولما لم يحسن الأمير "أنز" تدبير بلاد فارس استوحش منه الأجناد واجتمعوا مع "توران شاه" وهزموا "أنز"، ومات "توران شاه" بعد الكسرة بشهر من سهم أصابه فيها.
وبقيت "تركان خاتون" في عز ورفعة ومنعة لم يقدر عليها أحد من الملوك والسلاطين، وطالما حاول "بركيارق" إذلالها وأخذ السلطنة منها فلم يقدر عليها، وذلك من كثرة حكمتها وكرمها وحسن إدارتها فإن جميع الأمراء كانت تحبها وتسعى في خدمتها إلى أن توفيت في رمضان سنة ٤٨٧ هـ بأصبهان.
وكانت قد برزت من أصبهان لتسير إلى تاج الدولة "تتش" لتتصل به فمرضت وعادت وماتت، وأوصت إلى الأمير "أنز" وإلى الأمير "سرمز" شحنة أصبهان بحفظ المملكة على ابنها محمود ولم يكن بقي بيدها سوى قصبة أصبهان ومعها عشرة آلاف فارس أتراك وكان لها جملة آثار مثل: بناء مساجد وأضرحة، ومدارس، وبيمارستانات وخلاف ذلك في جميع أنحاء المملكة، وأسف الناس عليها أسفا شديدا تغمدها الله برحمته.
[تقية ابنة أبي الفرج]
ذكرها الحافظ السلفي في تعليقه وأثنى عليها وأخذت عنه العلم بثغر الإسكندرية وفاقت الرجال فيه ولها زيادة على ذلك الباع الطولى في الشعر والأدب ولطائفها الأدبية مع الحافظ المذكور كثيرة منها أنه كان مارا بمنزله، فعثر فجرح قدمه فقطعت جارية من الدار قطعة من خمارها وعصبت بها قدمه فأنشأت تقية تقول:
لو وجدت السبيل جدت بخدي ... عوضا عن خمار تلك الوليدة
كيف لي أن أقبل اليوم رجلا سلكت دهرها الطريق الحميدة
ومن غرائبها في الأدب أنها مدحت الملك المظفر بن أخي السلطان صلاح الدين بقصيدة خمرية، فقال ممازحا: أتعرف الشيخة هذه الأحوال من صباها؟ فبلغها ذلك فنظمت قصيدة أخرى حربية وصفت فيها الحرب وما تتعلق به أحسن وصف وبعثتها إليه وقالت: علمي بهذا كعلمي بذاك وهي في القرن السادس من الهجرة.
[تماضر الشهيرة بالخنساء]
هي ابنة عمرو بن الحارث ابن الشريد بن رياح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة. وقيل تهبه بن سليم بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن عيلان بن مضر، وتكنى أم عمرو، وإنما الخنساء لقب غلب عليها وهي الظبية وكان دريد بن الصمة رآها يوما وهي تهنا جملا فعلق بها وقال فيها:
حيوا تماضر وأربعوا صحبي ... وقفوا فإن وقوفكم حسبي
أخناس قد هام الفؤاد بكم ... وأصابه تبل من الحب
وخطبها بعد ذلك إلى أبيها فقال له أبوها: مرحبا يا أبا قرة إنك لكريم لا يطعن في حسبه واليد لا ترد عن حاجته ولكن لهذه المرأة في نفسها ما ليس لغيرها وإنما أذكرك لها ثم دخل عليها وقال: يا خسناء، أتاك فارس هوزان وسيد بني جشم دريد بن الصمة يخطبك وهو ممن تعلمين، ودريد يسمع قولها فقالت: يا أبت، أتراني تاركة بني عمي مثل عوالي الرماح وناكحة بني جشم هاته اليوم أو غدا وأنشأت تقول:
أتخطبني هبلت على دريد ... وتطرد سيدا من آل بدر