عرضت على نفسي العزاء فقيل لي ... من الآن فايأس لا أعزك من صبر
إذا بان من تهوى وأصبح نائيا ... فلا شيء أجدى من حلولك في القبر
فلما غنت قام فألقى نفسه من شاهق فمات. فقال عبد الملك: لقد عجل على نفسه, أيظن أني أخرجت جارية وأعود فيها خذها يا غلام فأعطها لورثته. أو فتصدقوا بها عليه, فلما نزلوا بها نظرت إلى حفيرة معدة للسيل فجذبت يدها من الغلام وهي تقول:
من مات عشقا فليمت هكذا ... لا خير في عشق بلا موت
وأقلت نفسها في الحفيرة فماتت.
[السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي الطالب]
قال المقريزي: إن أمها أم ولد تزوجها إسحاق بن جعفر الصادق بن محمد الباقر فولدت له ولدين: القاسم وأم كلثوم ولم يعقبا وبعده تزوجت بالحسن بن زيد فولدت له نفيسة, وكانت نفيسة من الصلاح والزهد على الحد الذي لا مزيد عليه فيقال: إنها حجت ثلاثين حجة وكانت كثيرة البكاء تديم قيام الليل وصيام النهار فقيل لها: ألا ترفقين بنفسك؟ فقالت: كيف أرفق بنفسي وأمامي عقبة لا يقطعها إلا الفائزون, وكانت تحفظ القرآن وتفسيره, وكانت لا تأكل إلا في كل ثلاث ليال أكلة واحدة وذكر أن الإمام الشافعي -رضي الله عنه- زارها من وراء الحجاب وقال لها: ادعي لي وكان (ب) صحبته عبد الله بن عبد الحكم وماتت -رضي الله عنها- بعد موت الإمام الشافعي بأربع سنين. وقيل: إنها كانت فيمن صلى على الإمام الشافعي -رضي الله عنه- وقد توفيت في شهر رمضان سنة ثمان ومائتين للهجرة ودفنت في منزلها المعروف بخط درب السباع بمصر ويقال: إنها حفرت قبرها هذا وقرأت فيه مائة وسبعين ختمة وإنها لما احتضرت خرجت من الدنيا وقد انتهت في حزبها إلى قوله تعالى: (قل لمن ما في السموات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة)(الأنعام: ١٢) ففاضت نفسها مع قوله تعالى: (الرحمة)(الأنعام: ١٢) , وكان سبب دخولها إلى مصر كما قال ابن خلكان: إنها دخلت مصر مع زوجها إسحاق بن جعفر وقيل: مع أبيها الحسن, وإنها لما استقر بها المقام ودخل الشافعي إلى مصر حضر إليها وسمع عليها الحديث وكان للمصريين فيها اعتقاد عظيم وهو إلى الآن باق كما كان, ولما توفي الإمام الشافعي أدخلت جنازته إليها وصلت عليه في دارها. ولما ماتت عزم زوجها على حملها إلى المدينة فسأله المصريون بقاءها عندهم ودفنت في الموضع المعروف بها الآن.
وقال الشيخ محمد الصبان في كتابه إسعاف الراغبين إن السيدة نفيسة -رضي الله عنها- ولدت بمكة سنة خمس وأربعين ومائة ونشأت بالمدينة في العبادة والزهد وكانت ذات مال ولما ورد الشافعي إلى مصر كانت