وقفت فأبكتني ديار أحبتي ... على رزئهن الباكيات الحواسر
غدوا بسيوف الهند وراد حومة ... من الموت أعيا وردهن المصادر
فوارس حاموا عن حريمي وحافظوا ... بدار المنايا والقنا متشاجر
ولو أن سلمى نالها مثل رزئنا ... لهدت ولكن يحمل الرزء عامر
[ريطة بنت العجلات بن عامر بن برد منبه]
هي أخت عمرو بن العجلان بن عامر الهذلي قتله بنو فهم في بعض غزواته فقالت أخته ترثيه:
كل امرئ لمحال الدهر مكذوب ... وكل من غالب الأيام مغلوب
وكل حي وإن عزوا وإن سلموا ... يوما طريقهم في الشر عبوب
أبلغ هذيلا وأبلغ من يبلغها ... عني رسولا وبعض الظن تكذيب
بأن ذا الكلب عمرا خيرهم نسبا ... ببطن شريان يعوي حوله الذيب
الطاعن الطعنة النجلاء يتبعها ... معجز من نجيع الجوف أسلوب
التارك القرن مصفرا أنامله ... كأنه من نجيع الجوف مخضوب
تمشي النسور إليه وهي لاهية ... مشي العذارى عليهن الجلابيب
والمخرج العاتك العذراء مذعنة ... في السبي ينفح من أردانها الطيب
وكانت ريطة هذه من نساء العرب الموصوفات بالأدب والفصاحة والحماسة، لم يكن في زمانها أحسن منها سيرة وأعذب منطقا، وألطف شارة· لها جملة مراث غير هذه ولم تمكث زمنا أخيها وذلك لحزنها عليه·
[حرف الزاي]
[زبيدة بنت جعفر بن المنصور العباسي]
هي امرأة هارون الرشيد وأم ولده محمد الأمين· كانت ذات معروف وخير وفضل ونفقة واسعة على البر وأصحاب الحاجات وقصة حجها وما فعلته في طريقها من الإحسان مشهورة في كتب التواريخ شهرة عظيمة فوق ما كان لها من شهرة الشرف والثروة الواسعة فإنها جمعت شرف الخلافة من أطرافها فأبوها ابن خليفة، وعمها المهدي خليفة، وزوجها أشهر الخلفاء وابنها خليفة أيضا، ولذلك قد كثرت عنها الحكايات والأخبار في كتب العرب· قال ابن الجوزي: إنها سقت أهل مكة الماء بعد أن كانت الرواية عندهم بدينار، وإنها أسالت المياه عشرة أميال بحط الجبال ونحت الصخور حتى غلغلته من الحل إلى الحرم، وعملت عقبة البستان فقال لها وكيلها: يلزمك نفقة كثيرة· فقالت: اعملها ولو كلفت مشربة الناس دينارا، وكان لها مائة جارية تحفظن القر ولكل واحدة ورد عشر القرآن وكان يسمع في قصرها كدوي النحل من قراءة القرآن· وقيل: كان اسمها أمة العزيز فلقبها جدها المنصور زبيدة لبضاضتها ونضارتها·
قال ابن الأثير: وكان مولد زبيدة بقصر حرب وهو قصر بناه حرب بن عبد الله من أكابر قواد المنصور حينما وجهه المنصور مع ولده جعفر أبي زبيدة ليكون نائبا عن مالك بن الهيثم في ولاية الموصل وهذا القصر بأسفل الموصل وتزوج بها الرشيد سنة ١٦٥ هجرية، كان يحبها كثيرا ويكرمها غاية الإكرام، وكانت شديدة البر به والاحتفاظ على رضاه، ولم يكن يمنع عنها شيئا من كل ما تطلبه من نفقة