ألمم بزينب إن البين قد أفدا ... قل الثواء لئن كان الرحيل غدا
قد خلفت ليلة الصورين جاهدة ... وما على الحر إلا الصبر مجتهدا
لعمرك ما أراني إن نوى برحت ... وهكذا الحب إلا ميتا كمدا
قال: وانصرف عمر والغريض معه فلما كان بمكة قال عمر: يا غريض، إني أريد أن أخبرك بشيء يتعجل لك نفعه لك ذكره، فهل لك فيه؟ قال: افعل من ذلك ما شئت، وما أنت أهله. قال: إني قد قلت في هذه الليلة التي كنا فيها شعرا فامض به إلى النسوة فأنشدهن ذلك وأخبرهن أني وجهت بك فيه قاصدا.
قال: نعم، فحمل الغريض الشعر ورجع إلى المدينة فقصد سكينة وقال لها: جعلت فداك يا سيدتي ومولاتي إن أبا خطاب - أبقاه الله - وجهني إليك قاصدا قالت: أوليس في خير وسور تركته. قال: نعم، قالت: وفيم وجهك أبو الخطاب - حفظه الله -؟ قال: جعلت فداك إن ابن أبي ربيعة حملني شعرا وأمرني أن أنشدك إياه. قالت: فهاته فأنشدها الشعر بتمامه قالت: فيا ويحه فما كان عليه أن لا يرجل في عدة فوجهت إلى النسوة فجمعتهن وأنشدتهن الشعر وقالت للغريض: هل عملت فيه شيئا. قال: قد غنيته ابن أبي ربيعة قالت: فهاته فغناه الغريض فقالت سكينة: أحسنت والله وأحسن ابن أبي ربيعة لولا أنك سبقت فغنيته عمر قبلنا لأحسنا جائزتك يا بنانة أعطه بكل بيت ألف درهم فأخرجت إليه بنانة أربعة آلاف فدفعتها إليه.
وقالت له سكينة: لو زادنا عمر لزدتك، وكانت وفاة السيدة سكينة بمكة في ربيع الأول سنة ١٢٦ هجري. وقيل: سنة ١١٧ هجري بالمدينة وهو الأرجح.
[سلمى الملقبة ب"قرة العين"]
كانت فتية بارعة الجمال، متوقدة الجنان، فاضلة عالمة. أبوها أحد المجتهدين في العجم، وكانت متزوجة بمجتهد آخر طلقت نفسها من زوجها على خلاف حكم شريعة الإسلام وأمت بالسيد علي محمد تلميذ الشيخ أحمد زين الدين الأحسائي الذي مزج التصوف والفلسفة بالشريعة، وتسمى السيد علي - المذكور - بالبابي وطريقته تسمت به وكانت فرة العين تكاتبه ويكاتبها فكان يخاطبها في مكاتباته ب (قرة العين) فلقبت بذلك وكانت تناظر العلماء والفضلاء مكشوفة الوجه بدون حجاب.
ثم لما وقعت المحاربة بين البابين وعساكر الدولة في مازندران جيشت جيشا وقادته مكشوفة الوجه وسارت أمامه إعانتهم، وفي أثناء الطريق قامت في الناس خطيبة وقالت: "أين أحكام الشريعة الأولى - أعني المحمدية - قد نسخت وإن أحكام الشريعة الثانية لم تصل إليها فنحن الآن في زمن لا تكليف فيه بشيء".
فوقع الهرج والمرج، وفعل كل من الناس ما كان يشتهيه من القبائح، ثم قبض عليها ولبست البرقع جبرا، وحكم عليها بأن تحرق حية، ولكن الجلاد خنقها قبل أن تشتعل النار بالحطب الذي أعد لإحراقها.
[سلمى امرأة عروة بن الورد]
هي امرأة من بني كنانة، وتكنى أم وهب، وكان عروة بن الورد قد أغار عليهم فأصابها منهم وكانت بكرا فأعتقها واتخذها لنفسه، فمكثت عنده بضعة عشرة سنة، وولدت له ولدا وهو لا يشك في أنها أرغب الناس فيه وهي تقول له: لو حججت بي أمر على أهلي وأراهم، فحج بها فأتى إلى مكة ثم أتى إلى المدينة وكان يخالط من أهل يثرب بني النضير وكان قومها يخالطون بني النصير فأتوهم وهو عندهم فقالت لهم سلمى: إنه خارج بي