مر عليها يوما عبد المطلب بن هاشم ومعه ولده عبد الله فرات في وجه عبد الله نورا ساطعا فتفرست فيه أنه سيخرج منه مولود يكون له شان فأحبت أن يكون منها ذلك المولود فقالت له: يا عبد الله، هل لك أن تقع علي ولك مائة ناقة من الإبل فقال لها:
أما الحرام فالممات دونه ... والحل لا حل فأستبينه
فكيف بالأمر الذي تبغينه ... يحمي الكريم عرضه ودينه
ثم قال لها: أنا مع أبي فلا أقدر أن أفارقه ومضى فزوجه أبوه آمنه بنت وهب، فأقام عندها ثلاثا، ثم انصرف فمر الخثعمية فدعته نفسه إلى ما دعته إليه فقال لها: هل لك فيما كنت أردت؟ فقالت: يا فتى، ما أنا بصاحبة ريبة ولكني رأيت في وجهك نورا فأردت أن يكون لي فأبى الله إلا أن يجعله حيث أراد فما صنعت بعدي قال: زوجني أبي آمنة ابنة وهب فقالت: فاطمة بنت مرحين ذاك:
إني رأيت مخيلة لمعت ... فتلألأت بحناتم القطر
فسما بها نور يضيء به ... ما حوله كإضاءة البدر
ورأيت سقياها حيا بلد ... وقعت به وعمارة القفر
فرجوته فخراً أبوء به ... ما كل قادح زنده يورى
لله ما زهرية سلبت ... منك الذي سلبت وما تدري
وقالت أيضا في ذلك:
بني هاشم قد غادرت من أخيكم ... أمينة إذ للباه يعتركان
كما غادر المصباح عنده خموده ... فتائل قد بلت له بدهان
فما كل ما يحوي الفتى من ملاذه ... لعزم ولا ما فاته لتوان
فأجمل إذا طالبت أمرا فإنه ... سيكفيكه جد أن يعتلجان
سيكفيكه إما يد مقفعلة ... وغما يد مبسوطة ببنان
ولما حوت منه أمينة ما حوت ... حوت منه فخرا ما لذلك ثاني
فانصرف عبد الله وبقيت هي في حالها حتى ولد النبي صلى الله عليه وسلم وتربى وكبر ونزل عليه الوحي ووفدت عليه وأسلمت على يديه وماتت في مدته - رحمها الله.
[فاطمة بنت أحجم بن دندنة الخزاعي]
كان أبوها أحد سادات العرب، تزوج بخالدة بنت هاشم بن عبد المطلب. وكانت فاطمة من فصحاء العرب وشاعرات النساء، وأشعارها كانت لا تخرج عن الحكم والأمثال، وأكثرها رثاء، وكانت العرب تتمثل بأشعارها. ومن قولها في الجراح زوجها:
يا عين بكى عند كل صباح ... جودي بأربعة على الجراح
قد كنت لي جبلا ألوذ بظله ... فتركنني أضحي بأجرد ضاح
قد كنت حمية ما عشت لي ... أمشي البراز وكنت أنت جناحي
فاليوم أخضع للذليل وأتقي ... منه وأدفع ظالمي بالراح