للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ألا لا أرى بعد ابنة النضر لذة ... لشيء ولا ملجأ لمن يتملح

فلا زال رمش ضم عزة سائلا ... به نعمة من رحمة الله تسفح

فإن التي أحببت قد حال دونها ... طوال الليالي والضريح المرجح

أرت بعيني البكا كل ليلة ... فقد كاد مجرى الدمع عيني يقرح

إذا لم يكن ما تسفح العين لي دما ... وشر البكاء المستعار المسيح

ومما قال فيها أيضا:

كفى حزنا للعين أن رد طرفها ... لعزة عير آذنت برحيل

وقالوا نأت فاختر من الصبر والبكا ... فقلت البكا أشفى إذا لغليلي

توليت محزونا وقلت لصاحبي ... أقاتلتي ليلي بغير قتيل

لعزة إذا ما حل بالخيف أهلها ... فأوحش منها الخيف بعد حلول

وبدل منها بعد طول إقامة ... تبعت نكباء العشي جفول

لقد أكثر الواشون فينا وفيكم ... ومال بنا الواشون كل مميل

وما زلت من ليلى لدن طر شاربي ... إلى اليوم كالمقصى بكل سبيل

وقال فيها أيضا:

لا تغدرن بوصل عزة بعدما ... أخذت عليك مواثقا وعهودا

إن المحب إذا أحب حبيبه ... صدق الصفاء وأنجز الموعدا

الله يعلم لو أردت زيادة ... في حب عزة ما وجدت مزيدا

رهبان مدين والذين عهدتهم ... يبكون من حذر العذاب قعودا

لو يسمعون كما سمعت حديثها ... خر والعزة خاشعين سجودا

[عفراء بنت الأحمر الخزراعية]

نشأت مع ابن عمها الحارث المشهور بابن الفرند ممتزجين بالألفة إلى أن بلغا فتزوج بها فأقاما مدة ينمو الهوى بينهما إلى أن عزمت يوما على أن تزور أباها، فجهزها إليه، فأقامت مدة وكل منهما يأبى أن يجئ بنفسه وزادت الوحشة بينهما وحلف أبواهما على أن لا يأتي أحدهما الآخر مخافة أن تزري العرب به فمرض الحارث فكتب إليها:

صبرت على كتمان حبك برهة ... ولي منك في الأحشاء أصدق شاهد

هو الموت إن لم تأتني منك رقعة ... تقوم بقلبي في مقام العوائد

فأجابته تقول:

كفيت الذي تخشى وصرت إلى المنى ونلت الذي تهوى برغم الحواسد

ووالله لولا أن يقال تظننا ... بي السوء ما جانبت فعل العوائد

فلما قرأ ما في الرقعة وتنشق ريحها وكانت أعطر أهل زمانها غشي عليه فإذا هو ميت فقيل لها: ما كان عليك لو أجبته زورة؟ قالت: خشيت أن يقال صبت إليه، ولكني قاتلة نفسي ولاحقة به قريبا فلم يشعروا بها إلا وهي ميتة.

<<  <   >  >>