وشرابك الذي تأتيني به على حرام لا أذوق مما تأتيني به بعد إذ قلت هذا، فاغربي عني لا أراك، فطردها· فما رأى أيوب امرأته وقد طردها وليس عنده طعام ولا شراب ولا صديق وخر لله ساجدا وقال: رب (أني مسني الضر)(الأنبياء: ٨٣) ، ثم رد الأمر إلى ربه فقال:(وأنت أرحم الرحمين)(الأنبياء: ٨٣) فأوحى الله إليه أن اركض برجلك فركض فنبعت عين ماء فاغتسل فلم يبق من دائه شيء ظاهر إلا سقط بأثره، وأذهب الله عنه وكل ألم وداء كل سقم وعاد عليه شبابه وجماله أحسن ما كان وأفضل مما مضى، وجعل يلتفت يميناً وشمالاً فلم ير شيئا مما كان من أهل وولد ومال إلا وقد ضاعفه الله تعالى، فخرج حتى جلس على مكان مشرف· ثم إن "رحمة" قالت: أرأيت إن كان قد طردني إلى من أكله أأدعه حتى يموت جوعاً وعطشاً ويضيع فتأكله السباع، فوالله لأرجعن إليه ثم رجعت فلا كناسة ترى ولا تلك الحال التي كانت تعرف وإذا هي قد تغيرت فجعلت تطوف حول هذه الكناسة وتبكي وذلك بمرأى من أيوب فأرسل إليها أيوب فدعاها وقال لها: ما تريدين يا أمة الله؟ فبكت، وقالت: أردت ذلك المبتلى الذي كان منبوذا على هذه الكناسة لا أدري أضاع أم ماذا فعل به؟ فقال أيوب عليه السلام: ماكان منك؟ فبكت، وقالت: بعلي، فهل رأيته؟ فقال: وهل تعرفينه إذا رأيته؟ قالت: وهل يخفى على أحد رآه ثم إنها جعلت تنظر إليه· وقالت: أما إنه أشبه خلق الله بك إذ كان صحيحا، قال: فأنا أيوب آمرتيني أن أذبح لإبليس فإني أطعت الله وعصيت الشيطان فرد علي ما ترين فاعتنقته فقيل: إنها ما فارقته من عناق حتى مر بها كل ما كان لهما من المال والولد· فلما برأ أيوب أراد أن يبر يمينه بأمن يجلد "رحمة" فأمر هـ الله أن يأخذ من جماعة الشجر مبلغ مائة قضيب خفافا لطافا ويضبرها ضربة واحدة كما قال الله تعالى: (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث)(ص: ٤٤) · وقيل: كانت "رحمة" تكسب له ما تعمل للناس فتبيعه وتجيئه بقوته، فلما طال عليها البلاء وسئمها الناس فلم يستعملها أحد، التمست يوما من الأيام تطعمه فما وجدت شيئا فجزت قرنا من رأسها فباعته برغيف فأتته به فقال لها: أين قرنك فأخبرته الخبر فحزن عليها وشكر صنيعها·
[روشنك ابنة الدهقاء أوزبرت]
كانت مشهورة بالجمال تزوجها إسكندر المكدوني، ولما مات كانت حاملا ووضعت لثلاثة أشهر من موته ولدها إسكندر الملقب "إيروس" واتفقت مع "برديكاس" وقتلا "ستايترا" زوجة إسكندر لأنها كانت تحاول منع تنصيب ابنها "إيفوس" فصفا له الملك بالإرث من أبيه، ثم اتحدت مع "أولبياس" على "فيليبس أرديوس" وامرأته "أوريدبكي" ثم جعلت نفسها تحت حماية "يوليسرخون"، ولما وصل "كاسندر" اعتصمت بمدينة "بيدنا"، ولما أخذت هذه المدينة وقتل "أولبياس" حبسها "كاسندر" في "أمغيبولبس" وبها قتلت هي وابنها سنة ٣١١ قبل الميلاد· والمشهور في تواريخ العرب أن "روشنك" هي ابنة "دارن الأصغر" ملك الفرس ظفر به الإسكندر· قال ابن الأثير: إن الإسكندر لما وجد "دارن" وقد ضربه حاجباه الضربة القاضية أخذه وأسند رأسه إلى حضنه وكلمه كلاما باللطف والاحترام، وطلب أن يوصي بما يريد، فأوصاه بأن يتزوج ابنته "روشنك" ويرعى حقها ويعظم حقها ويستبقي أحرار فارس ويأخذ له بثأره ممن قتله، ففعل الإسكندر كل ذلك وبنى ل "روشنك" مدينة بالسواد وقيل: إنه جعل هيئة زفافها إليه على النسق الشرقي وإنها قالت بعد موته: ما كنت أظن أن قتل "دارن" يقتل·