[عمارة جارية ابن جعفر]
كانت من مشاهير نساء عصرها حسنا وجمالا ولها اليد الطولى في صنعة الغناء وكان سيدها وجد بها وجدا شديدا فان لا يستطيع فراقها سفرا أو حضرا فقدم على معاوية سنة من السنين لأخذ حقه فزاره يزيد فغنت الجارية بحضرته فأخذت بمجامع قلبه وتمكن حبها من نفسه وكان ذا دهاء فكتم أمرها.
فلما أفضت إليه الخلافة استشار أهل سره فيأمرها وأنه لا يهنأ له قرار دونها فقالوا له: إن ابن جعفر عند الناس بمنزلة وتعرف ما كان عليه من أبيك ولا نأمن عليك في ذلك فالزم المهلة واجتهد فيا لحيلة.
فأخذ في تدبير ذلك حتى ظهر له فأحضر رجلا عراقيا معروفا بالدهاء والحيل، وأطلعه على أمره فقال له: مكني مما أريد ولك علي أن آتيك بها فقال: لك ذلك دبر بسرك، ثم أعطاه مالا وثيابا وجواهر.
وخرج العراقي كبعض التجار حتى نزل بساحة عبد الله بن جعفر وبلغه فأحسن ملتقاه وأخذ العراقي في التودد إليه فأرسل إليه بقماش وهدايا تزيد على ألف دينار وسأله قبولها ونقله إلى خواصه فزاد في الهدايا إلى أن صار من ندمائه فأحضر الجارية.
فلما غنت أعجب بها العراقي حتى قال ما ظننت أن في الدنيا مثل هذه فقال له: كم تساوي عندك؟ قال الخلافة فقال عبد الله: تقول ذلك لتزين لي شأنها وتطلب بذلك سروري قال: يا سيدي أنا تاجر أجمع الدرهم ولو بعتنيها بشعرة آلاف دينا لأخذتها. قال: قد بعتك. قال: اشتريت وقام العراقي بالمال. فقال ابن جعفر: أنا كنت مازحا. فقال له: يا سيدي أنت تعلم أن المزاح في البيع جد، وهذا لا يليق بمثلك وأنت معروف بالكرم والصلات، فكيف ترضى أن يشيع عنك مثل هذا؟ وطال بينها الكلام إلى أن خدعه فأخرجها له وهو كالمجنون لا يملك نفسه، فرحل بها من يومه وأقام ابن جعفر حزينا باكيا لا يقر له قرار.
فلما دخل العراقي الشام وجد يزيد قد مات، فاجتمع بمعاوية ولده فقص الخبر وكان صالحا فقال له: اخرج عني بها فلا تريني وجهك فخرج العراقي وكان قد قال للجارية: أنا لست من رجالك وإنما أخذتك للخليفة فاستترت فلم ير لها وجها.
فلما قال له معاوية ما قال جاء إليها وقال لها: قد صرت لي. ولكن فاستتري فإني معيدك إلة مولاك ثم رحل بها حتى دخل على ابن جعفر، فلما تلاقيا أخبره بالقضية وأنه لم يكن تاجرا ولكن كان مطلوبه الجارية ليزيد، وإنه حين رآه قد هلك لم ير نفسه أهلا لها فأعادها إله ولم ير لها وجها، ثم أخذها فسلمها إليه فلما تلاقيا وتعانقا خرا مغشيين ساعة، ثم أدخلها ورفع منزلة العراقي حتى صار أعظم الناس عنده ووهب له المال وانصرف وأقاما على ما كان عليه في عز وإقبال.
[عمرة ابنة دريد بن الصمة]
سيد بني جشم الذي قتل يوم حنين في حرب الإسلام قتله عبد ربيعة بن رفيع سنة ثمان للهجرة و (٦٣٠ م) .
كانت من نساء العرب المتقدمات بالمنزلة النابغات بالفصاحة والدب، العالمات بأشعار وروايات العرب لها اليد الطولى في الكرم والشعر المحكم ومن أشعارها ما قالته رثاء في أبيها دريد - المذكور - وتنعي إلى بني سليم إحسان دريد إليهم فيا لجاهلية:
لعمرك ما خشيت على دريد ... بيطن سميرة جيش العتاق
جزى عنه الإله بني سليم ... وعقتهم بما فعلوا عقاق