الزبيدي فوقع في قلبها واشتهت الغناء وسمع الزبيدي صوتها وعرف طبعها فعلمها وواظب عليها ومات أبوها ورقت حالها، وقد حذقت الغناء على الطنبور فخرجت تغني وتقنع باليسير، وكانت مليحة مقبولة خفيفة الروح فلم يزل أمرها يزيد حتى تقدمت وكبر حظها فتزوجها علي بن الفرج الرجحي أخو عمرو، وكان حسن الوجه كثير المال، فولدت له بنتا فحجبها ثم ماتت بنتها من علي بن الفرج وصادف ذلك نكبتهم واختلاط حال علي فطلقها فخرجت.
وماتت عبيدة من نزف أصابها حتى أتلفها وفي عبيدة يقول إسحاق النديم:
أمست عبيدة في الإحسان واحدة ... فالله جار لها من كل محذور
من أحسن الناس وجها حين تبصرها ... وأحذق الناس إن غنت بطنبور
[عتبة جارية الخيزران زوجة المهدي وأم الرشيد]
وكانت قبلها لريطة ابنة أبي العباس السفاح، وكانت رقيقة ظريفة أديبة بارعة في الجمال والكمال، وكان يعشقها أبو العتاهية، وله فيها أشعار رقيقة ونوادر ظريفة منها أن ريطة بنت السفاح وجهت إلى عبد الله بن مالك الخزاعي في شراء رقيق للعتق وأمرت جاريتها عتبة أن تحضر ذلك فإنها جالسة إذا جاء أبو العتاهية في زي متنسك فقال: جعلني الله فداك شيخ ضعيف كبير لا يقوى على الخدمة فإن رأيت أعزك الله شرائي وعتقي فعلت مأجورة فأقبلت على عبد الله فقالت له: إني لأرى هيئة جميلة وضعفا ظاهرا ولسانا فصيحا، ورجلا أديبا فاشتره وأعتقه، فقال أبو العتاهية: أتأذنين لي أصلحك الله في تقبيل يدك، فأذنت له فقبل يدها وانصرف، فضحك عبد الله بن مالك وقال: أتدرين من هذا قالت: لا، قال: هذا أبو العتاهية وإنما احتال عليك حتى يقبل يدك.
ولما كثر تشبيب أبي العتاهية بها شكت إلى مولاتها الخيزران ما يلحقها من الشناعة، ودخل المهدي وهي تبكي بين يدي سيدتها الخيزران، فسألها عن خبرها فأخبرته فأمر بإحضار أبي العتاهية فأدخل إليه فلما وقف بين يديه قال: أنت القائل في عتبة:
الله بيني وبين مولاتي ... أبدت لي الصد والملامات
ومتى وصلتك حتى تشكو صدها عنك قال: يا أمير المؤمنين فأنا الذي أقول:
يا ناق حثي بنا ولا تهني ... نفسك فيما ترين راحاتي
حتى تجيئي بنا إلى ملك ... توجه الله بالمهابات
يقول للريح كلما عصفت ... هل لك يا ريح في مباراتي
عليه تاجان فوق مفرقه ... تاج جمال وتاج إخبات
قال: فنكس رأسه، ونكت بالقضيب، ثم رفع رأسه فقال: أنت القائل:
ألا ما لسيدتي مالها ... أدلت بأجمل إدلالها
وجارية من جواري الملو ... ك قد أسكن الحسن سربالها
ثم سأله عن أشياء فأفحم أبو العتاهية، فأمر المهدي بجلده نحوا من حد وأخرج مجلودا فلقيته عتبة وهو على تلك الحالة فقال: