والثانية: للكمنجة، والثالثة: لقانون فوقع على هاته الآلات فحينئذ سألننا ذات البعل وشقيقتها عما إذا كان يمكن إيقاع الألحان الإفرنجية على العود والقانون مثل الكمنجة التي تلحن في الإيقاع وبناء على ذلك ممكن على أن عند الوصول إلى نغمة سريعة تنفرد الكمنجة في الإيقاع وبناء على ذلك أخذنا نلحن بعض القطع الإفرنجية الممكن تلحينها، ثم نهضت إلى البيانو ورفعت عليه بالاشتراك مع السيدة "ن" التي كانت توقع على الكمنجة قطعا إفرنجية على هذه الصورة مرحلة من الوقت وبعد مناولة الطعام أحضرنا للضيفات أثمارا محلية، وجبنا محليا، وزيتونا، ومقددات وغيرها من الأشياء المسماة عندنا قهوة ألتي فاستحسن جبننا كل الاستحسان، وأنبأننا أن مربياتنا مصنوعة على النسق الأوروبي تماما.
وجملة القول: إنهن تناولن منها بكمال الشكر والتقدير فجعلننا ممتنات منهن امتنانا لا مزيد عليه، ثم طفنا بهن في الحديقة وخضنا عباب الحديث المعقود بأهداب الولاء، فلما أزفت الساعة الحادية عشرة موعد مجيء الوابور تناولت كل منهن قبعتها وسترته، وكانت الشقيقتان في خلال الحديث تتكلمان فيا للغة الإنكليزية أحيانا، وكان كلامهما يتعلق بالثناء علينا وبينان امتنانهما منا، فالحمد لله أن كلامهما لم يكن علينا لأن سماع المذمة مواجهة مما لا تصبر عليه النفوس الأبية.
ولما كان احترام الضيف دينا واجبا كان عدم مقابلة احترامهما بالمثل مما يؤثر في قلوبنا كل التأثير، وقد تصورت السيدة "ص" أن تبدي امتنانها للضيفات بلهجة إنكليزية فصحى غير أن تسترها في أثناء الاجتماع منعها عن إيفاء هذا الواجب لعلمها أن التظاهر بمعرفة الإنكليزي بعد التجاهل به لا يكون مشكورا وقد صرفنا ذاك النهار بالسرور والانشراح، فإننا قطعنا قسما منه أي من الصباح إلى الظهر بمنتهى ما يكون من الحبور حتى إذا جاءت السائحات الإفرنجيات صرفنا القسم الباقي على نغمات الألحان فكان ذلك من ألطف الصدف.
أما السيدتان "ص" و"ن" فإنهما بقيتا تلك الليلة عندنا لأنهما من جهة لم يريدا ترك تلك الجمعية، ومن جهة أخرى لم يتيسر لهما وأبور بعد ذهاب الضيفات، فصرنا تلك الليلة كما صرفنا ذاك النهار بغاية ما يمكن من إمرار الوقت بالسرور، وقد كنا في أثناء حديثنا مع الضيفات المومى إليهن بينا لهن أن سنصرف ليلة لطيفة مع رفيقاتنا المذكورات.
ثم قالت السدة "ن": إن طالعنا اليوم فتح الزهور والمسرات، فهل من ساعة أشرف منها. فقلت لها: لا جرم أننا لو قصصنا حوادث هذا النهار على أحد المنجمين لأنبأنا أن طالعنا اليوم في برج الدلو من البروج الهوائية، ولكان أفاض بي بيان أن السعد يتناظر في بيت شرفه مع عطارد وأن السعد الكبر ناظر إليه بعين المودة والولاء وإلى غير ذلك من الاصطلاحات الفلكية لا جرم أن هاته الأشياء إنما هي اتفاق حسن. فنسأل الله أن يحفظنا من الصدف المعكوسة والمنكوسة.
وحقيقة ما يقال: أخيرا أننا صرفنا هذا النهار والحمد لله على أحسن حال من الزهو والسرور. انتهى.
[فاطمة بنت الأمير أسعد الخليل]
هي بنت الأمير أسعد الخليل أحد أمراء الشيعة القاطنين في جبل عامل من أعمال سورية, وهو من كبراء (عائلة علي صغير) . ولدت سنة ١٢٥٦ من الهجرة وتوفي والدها وهي صغيرة جداً فتولى تربيتها شقيقها الأمير محمد بيك الأسعد.
فلما بلغت سن التعليم سلمها للمعلمين لتدريس العلوم فتلقت جملة علوم في أقرب وقت, وكانت ذات عقل وفطنة ونباهة وكياسة, فحفظت القرآن الشريف,