وانتقى منه المواضيع الأدبية التي بنى عليها كتاباته ويقال: إن "مرغريتا" كتبت القسم الأكبر من هذا الكتاب في هودجها أثناء تجوالها وأسفارها, وكانت تكتب بسهولة وبلا مراجعة كأنها تكتب إنشاء يملى عليها وقد جاء في مقدمة هذا الكتاب أنه حدثت أمطار وزوابع عظيمة في جبال "ألبيرتيبس" وكان الناس يتقاطرون في كل سنة إلى جهة هنالك ذات ينابيع مفيدة للاستحمام بها والشرب منها طلباً للصحة والعافية فاضطروا أن يهجروها على إثر هذه الزوابع وتراكضوا أفواجاً هرباً من الموت المفاجىء, فسقط بعضهم في النهر فحملتهم المياه الطاغية وأغرقتهم, وهرب آخرون على الغابات فافترستهم الوحوش الكاسرة وانهزم فريق منهم إلى بعض القرى التي بعثوا إليها اللصوص وقطاع الطريق, فسلبوهم أشياءهم, وأوقعوا بهم.
أما العقلاء منهم (فلجؤوا) إلى "دير سيدة سيراس" ومكثوا هاك ينتظرون الفرج, وكان قد بوششر ببناء جسر يقطعون عليه النهر, فلما طال أمر بنائه عقدوا العزم على أن يقص كل منهم قصته على رفقائه في كل يوم حتى لا يشعروا بطول المدة التي يقضونها بالانتظار, وهذا الكتاب مجموع القصص المذكور وفيها من الوقائع الأدبية والنكات اللذيذة المفيدة ما يرتاح إليه الخواطر, وقد ألحقت كل قصة من هذه القصص بتأملات لا تقل أهميتها عن بقية المؤلف من حيث إصابة المرمى, وحسن الوضع.
أما منظومات هذه الملكة فنذكر منها المجموعة التي طبعت سنة ١٥٤٧ م وهي تتألف من روايات وأسرار وهزليات, ثم منظومة أخرى اسمها انتصار الحمل ورثاء سجين, وكلها من خيار الأشعار النفيسة, وكانت مولعة بالصنائع والفنون الجميلة فشيدت قصر "ليو", وضمت إليه الجنات البديعة, ثم توفيت في "قصر أودوس" في "التارب" سنة ١٥٤٩ م.
وفي سنة ١٥٥٠ م كتبت "ملوت سنت مارت" سيرة حياتها وصدرتها بصورت مواعظ في اللاتينية والفرنساوية بعبارة فصيحة جداً, فانتشرت بين الناس وأحرزت شهرة عظيمة ولا تزال إلى يومنا هذا موضوع أحاديث الأدباء وقد نصب لها تمثال في جنة ليكسيمبرج إظهاراً لفضلها وإقراراً بما كان لها من عظمة الشأن بين آل الأدب والعرفان.
[مريم ابنة عمران]
ابن ساهم بن أمود بن منشا بن حزقيا بن أحرنق بن يوثان بن عزازيا بن أنصيا بن ناوس بن نوثا بن بارض بن نهناساط بن رادم بن ايبا بن رجعم بن سليمان بن داود عليهما السلام.
كان زكريا بن يوحنا وعمران بن ساهم متزوجين بأختين إحدهما: عند زكريا وهي "أليصابات" بنت فاقود أم يحيى. والأخرى: عند عمران وهي حنة بنت فاقود أم مريم وكان قد أمسك عن حنة الولد حتى أيست وعجزت, وكانوا أهل بيت بمكان فبينما هي في ظل شجرة إذ نظرت طائراً يطعم فرخاً فتحركت عند ذلك شهوتها للولد, ودعت الله تعالى أن يهب لها ولداً وقد نذرت على نفسها إن رزقها الله بولد تتصدق به على البيت المقدس, فيكون من خدمته, ورهبانه, فتقبل الله دعاءها وحملت بمريم فحررت ما في بطنها.
ولكن لم تعلم ما هو فقالت: رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً عن الدنيا وأشغالها خالصاً لك وخادماً لبيتك المقدس.
فقال لها زوجها: ويحك, ماذا صنعت إن كان في بطنك أنثى لا تصلح لذلك فوقعا جميعاً في وهم من ذلك وفي حالة توفي زوجها عمران.
فلما أتمت مدة حملها وضعت جارية فقالت: (ربي إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى) (آل عمران: ٣٦) في خدمة بيتك المقدس (وإني سميتها مريم) (آل عمران: ٣٦) وكانت مريم أجمل النساء وأفضلهن