للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من "ملمازون" إلى "رويل" وواروها بالتراب في دار الكنيسة وقد شهد احتفال الجنازة أعظم ملوك أوروبا وأشرافها، وبعد تمام كل الواجبات ورجوع الجميع بقي ولداها "أيوجين" و"هورتنس" هناك ثم جثوا على قبرها وبقيا برهة يمزجان الصلاة بالدموع، وقد جاء أكثر من عشرين ألف نفس من الأهالي وشاهدوا جثتها وبقولا يترددون عليها مدة أربعة أيام متوالية قبل دفنها.

وقد أقام ولدها بعد ذلك نصبا من الرخام الأبيض مثلاها به، وهي لابسة الحلة التي توجت فيها، وقد جثت للتتويج أقامها فوق قبرها وكتبا عليه هذه الكلمات: "أيوجين وهورتنس لأجل جوزفين".

[حرف الحاء]

[الحارثية ابن زيد]

هي بنت زيد بن بدر العرائي والغداني، وكانت من النساء المشهورات بالحماس والافتخار ولها أشعار مقبولة حسنة ومراث بديعة منها ما قالته:

صلى الإله على قبر وطهره ... عند الثوبة تسفى فوقه المور

زفت إليه قريش نعش سيدها ... فثم كل التقى والبر مقبور

أبا المغيرة والدنيا مغيرة ... وإن من غرت الدنيا لمغرور

قد كان عندك للمعروف معرفة ... وكان عندك للتنكير تنكير

لم يعرف الناس مذ كفنت سيدهم ... ولم يجل ظلاما عنهم نور

لو خلد الخير والإسلام ذا قدم ... إذا لخلدك الإسلام والخير

قد كنت تخشى وتعطي المال من س ... عة إن كان بيتك أضحى وهو مهجور

والناس بعدك قد خفت حلومهم ... كأنما نفخت فيها الاعصاير

[حبابة جارية يزيد بن عبد الملك بن مروان الأموي]

هي مولدة مدنية كانت صبيحة الوجه، مليحة النادرة، لطيفة المحاضرة، خفيفة الروح، غردة الصوت، شجية الغناء، ضاربة بالعود أخذت أصواتها عن ابن سريج وابن محرز ومالك وكان يزيد مغرما بالنساء شدد الكلف بهن فهام بها ولا هيام قيس بليلى، وعلقها ولا علوق أبي نواس بجنان، فتهتك وخلع عذاره، وانقطع إليها ليله ونهاره تاركا بين أيديها أزمة دينه ودنياه، فكانت تعزل من تشاء وتولي من تشاء وتحول بينه وبين الصوم والصلاة حتى اشتهر أمره وساء ذكره، ولوقائعه معها فكاهات ونوادر تركناها لكثرة تداولها بين الناس: قيل: إنه نزل معها يوما ببيت راس (وهي قرية من قرى الشام) . فقال: زعم السلف أن الدهر لا يصفو لأحد يوما كاملا، وماذا علي لو غادرت كلامهم نجما آفلا، ثم قال لغلامه: ويحك، لا تمكن أحدا من الوقوف ببابي، ولا تدع إنسانا يخرق حجابي. ثم خلا بحبابة وما برح معها في لهو وطرب، وهزل ولعب، حتى استقام قسطاس النهار فدعا بطبق رمان كأنه شعلة نار أو باقوت تحته بلار أو حب آس غاص بالجلنار فشرقت حبابة بحبة منه ذهبت بروحها إلى عالم العدم، فصاح يزيد صيحة الألم وطارت نفسه بأثرها شعاعا وطفق يعض أنامله جزعا والتياعا، وما فتئ يقبلها وينوح وهو على مثل شوك القتاد حتى سطع ريحها وأدركها الفساد فأودعهوها الثرى حتف أنفه وهو يدمي بثناياه باطن كفه، ومازال يذري بعدها العبرات

<<  <   >  >>