للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يتمالك عن البكاء، وكذا لما اختطفت أيدي المنون ابنته الصغرى وحمل إكليل الفرهر ليكلل به جبينه غلبت عليه الشفقة واقترن بها (بركليس) بعد أن هجر زوجته الأولى، وانقاد إليها الانقياد حتى قال (أرستوفاينس) : إنها هي التي حملته على إثارة حرب (ساموس) و (بلويومتبسوس) ولكن (فلوطرخس) المؤرخ الثقة نفى عنها هذه التهمة وتوفي (بركليس) بالطاعون فتزوجت (أسباسيا) بعده رجلا من التجار فصار بسببها من مشاهير أثينا وخطبائها.

[إستير ستنهوب ابنة كارلوس الثالث في عائلة ستنهوب]

امرأة إنكليزية شريفة ذات أطوار غريبة ولدت في لندن في ١٢ آذار (مارس) سنة ١٧٧٦ م، وتوفيت في جون التابعة إقليم الخروب من جبل لبنان في ٢٣ حزيران (جونيو) سنة ١٨٣٩ م، وكانت أكبر أولاد (كارلوس الثالث أرلات ستنهوب) من زوجته (إستير) ابنة (إرل تشتام) دخلت في السنة العشرين من عمرها بيت عمها (وليم بت) فكان يعتمد عليها ويكاشفها أسراره، واستمرت عنده إلى أن مات سنة ١٨٠٦ م، وقبل وفاته أوصى بها الأمة الإنكليزية فيعن لها مرتب سنوي قدره ٢٠٠ ليرة إنكليزية غير أن المبلغ لم يكف لسد المصاريف التي كان يقتضيها مركزها وبذخها فانفردت في (والسن) ثم تركتها وطافت أوروبا وكانت حينئذ فتية نضرة جميلة غنية، فقوبلت في البلدان التي زارتها بالتكريم والتعظيم اللذين تقتضيهما صفاتها إلا أنها أبت الزواج مع أن خاطبيها كانوا من أهالي الرفعة والشأن وبعد أن زارت أكبر عواصم أوروبا لاح لها أنها تحصل في الشرق على مركز عظيم فسارت إلى القسطنطينية، وأقامت فيها بضع سنين واختلف الناس ي سبب خروجها من بلادها فذهب بعضهم إلى أنه حملها على ذلك حزنها على جنرال إنكليزي شاب قتل في إسبانيا وكانت تحبه فأثر فيها موته تأثيرا شديدا حتى لم تطب لها الإقامة بعده في إنكلترا، وذهب آخرون إلى أن الذي حملها على ذلك إنما هو ميلها إلى القيام بعظائم الأمور وحب الشهرة.

ثم خرجت من القسطنطينية قاصدة سورية سنة ١٨١٠ م في سفينة إنكليزية كان فيها قسم كبير من ثروتها وأنواع كثيرة مختلفة من الحي والتحف، فلما وصلت السفينة إلى الجون (مكري) تجاه جزيرة (رودس) صدمت صخرا فتحطمت على مسافة بعض أميال من الساحل، وغرت أمتعة (إستير ستنهوب) وأموالها ولم تنج هي من الموت إلا بعد عناء شديد فحملت على لوح السفينة إلى جزيرة صغيرة قفرة فقامت فيها ٢٤ ساعة لم تذق طعاما ولم يكن لها منقذ ولا مجير إلا أن جماعة من صيادي (مرموريزا) وجدوها في تلك الجزيرة في أثناء تفتيشهم على بقايا السفينة، فساروا بها إلى (رودس) وهناك أخبرت قنصل إنكلترا فجمعت ما بقي لها من المتاع وباعت قسما من أملاكها، بأبخس الأثمان وركبت سفينة ملأتها تحفا نفيسة وهدايا ثمينة للبلدان التي عزمت على السياحة فيها لم يصادفها في مسيرها نوء. وأتت اللاذقية فأقامت هناك، وتعلمت اللغة العربية وعرفت عادات الأهالي وطباعهم، وجهزت قافلة كبيرة، وحملت إلى البدو هدايا نفيسة على ظهور الجمال، وطافت أنحاء سورية كلها، فزارت القدس، ودمشق، وحمص، وبعلبك، وتدمر. ولما وصلت إلى تدمر اجتمع إليها كثيرون من قبائل البدو ومكنوها من الوصول إلى تلك المدينة، وكان عددهم حينئذ من ٤٠ إلى ٥٠ ألفا وكانوا كلهم يتعجبون من جمالها ولطفها، وأبهتها فجعلوها ملكة لتدمر وعاهدوها على أن جميع الإفرنج الذين يحصلون على حمايتها يمكنهم أن يزوروا (بعلبك) وتدمر آمنين على أرواحهم، ولكن بشرط أن يدفع كل منهم ضريبة قدرها ألف قرش، واستمرت تلك المعاهدة مدة طويلة يعمل بها وعند رجوعها من تدمر عزمت قبيلة قوية من البدو عدوة لتدمر التعدي عليها، غير أن أحد حشمها أنبأها في الحال بوقوعها في ذلك الخطر الجسيم فأخذت في السير ليلا، وكان خيلها من أجود الخيل فاجتازت في مدة ٢٤ ساعة

<<  <   >  >>