أخبرت أنك من أجلي جننت وقد ... فارقت أهلك لم تعقل ولم تفق
فرفع رأسه إليها وأنشد:
قالت جننت على رأسي فقلت لها ... الحب أعظم مما بالمجانين
الحب ليس يفيق الدهر صاحبه ... وإنما يصرع المجنون في الحين
لو تعلمين إذا ما غبت ما سقمي ... وكيف تسهر عيني لم تلوميني
وقد امتحنته يوماً لتنظر ما عنده من المحبة لها فدعت شخصاً بحضرته فسارته ثم نظرته قد تغير حتى كاد ينفطر فأنشدت:
كلانا مظهر للناس بغضاً ... وكل عند صاحبه مكين
تبلغينا العيون بما أردنا ... وفي القلبين ثم هوى دفين
وأسرار اللواحظ ليس تخفى ... وقد تغري بذي الخطأ الظنون
وكيف يفوت هذا الناس شيء ... وما في الناس تظهره العيون
فسر بذلك حتى كاد أن يذهب عقله فانصرف وهو يقول:
أظن هواها تاركي بمضلة ... من الأرض لا مال لدي ول أهل
ولا أحد أقضي إليه وصيتي ... ولا صاحب إلا المطية والرحل
محاجها حب الألى كن قبلها ... وحلت مكاناً لم يكن حل من قبل
[ليلى بنت طريف]
وقيل: الفارعة. وقيل: فاطمة, والأول أشهر. أخت الوليد بن طريف الشيباني الخارجي الذي خلع ربقة الطاعة في خلافة الرشيد, فأرسل إليه يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني, فظهر عليه وقتله سنة ١٧٩ هجرية (٧٩٥) ميلادية. وكانت أخته من شواعر العرب تجيد الشعر, وكانت من الفروسية على جانب عظيم. ولما قتل أخوها صبحت القوم وعلى جسدها الدرع ولامة الحرب, وجعلت تحمل على الناس. ومن شجاعتها وفروسيتها قال القوم: إن الوليد قد قتل وليست هذه إلا أخته ليلى لأنها تشابهه بالفروسية وبالتحقيق عرفت أنها ليلى. وكان يزيد بن مزيد قريباً للوليد بن طريف لكونهما جميعاً من شيبان فقال يزيد: اتركوها ثم خرج إليها وضرب بالرمح قطاة فرسها, وقال: أعزبي, عزب الله عليك قد فضحت العشيرة فاستحت وانصرفت. ورثت أخاها بمراث كثيرة لم يبق منها إلا القليل, وكانت تسلك سبيل الخنساء في مراثيها لأخيها صخر. ومن جملة ما أنشدت فيه قولها:
بتل نباتي رسم قبر كأنه ... على جبل فوق الجبال منيف
تضمن مجداً عد ملياً وسوددا ... وهمة مقدام ورأي حصيف
أيا شجر الخابور مالك مورقا ... كأنك لم تجزع على ابن طريف
فتى لا يريد العز إلا من التقى ... ولا المال إلا من قنا وسيوف
ولا الذخر إلا كل جرداء صلدم ... معاودة للكربين بألوف
فقدناه فقدان الربيع فليتنا ... فديناه من ساداتنا بألوف