ولدت في فرنسا سنة ٦٨٠ ميلادية وكانت من أبدع نساء عصرها جمالاً ورقة، وأكثرهن لطفاً ورزانة، وأبدعهن حديثاً ومعاشرة. أحبها "شغفريد" - كونت "بالتين" - وأحبته، فاقترنا سنة ٧٠٠ م. وقبل أن يمضي على قرانهما عام انتدب "شارل مارتل" زوجها لقيادة كتيبة من جيشه المعد لمهاجمة العرب في المغرب، فأجاب سؤلاه وغادر "جنفياف" إلى عناية "ألكافلير غولو" وكيل أملاكه الذي لمه خلا له الجو زين له الخناس مراودة سيدته ومطارحتها الوجد فألفى من عفافها سوراً من حديد لا تخرقه هجمات الماكرين ولا تفعل به مجانيق المحتالين.
ولما قنط وأعيته الحيلة عمد لؤماً وخبث طينة إلى اتهامها بالفحشاء زاعماً أنها حملت بعد ترحال زوجها خيانة، ولما كان بعلها ساذج القلب نزيه الضمير دخلت عليه وشاية أمينه الخائن وحدثت به الحمية والأنفة إلى توقيع أمر بإتلافها مع وليدها الطفل على زعمه بيد أن "غولو" خدع من عهد إليهم قتلها فتركت مع طفلها في توغاب لرحمة الله تعالى فحنت على ولدها وأخذت ترضعه وتدأب على تربيته حتى ترعرع، ولما عاد زوجها من غزوته علم أنها برئىة من الوصمة والعار فندم على فعلته ندم الفرزدق على طلاق نوار، فخرج ذات يوم متجولاً في ذلك الغاب للقنص ترويحاً لكربه وإفراجاً عن قلبه، فلقي "جنفياف" عرضاً فخيل له أن روحها مثلت لديه لتشد النكير عليه، ولم يبد له أنها حية حتى ناجته بما يعهد من رقتها، وأزاحت له الستر عما يعلم من مسألة قتلها ودخيلتها، فتجلت له الدنيا إذ ذاك بثوب بهج وغمر الفرح أهداب أماقيه، فأسبلت الدموع وضم محبوبته وابنها إلى صدره ضمة كادت تستفرشهما الفؤاد لو لم تحل دونه حناا الضلوع، وذهب بهما إلى قصره الجميل القائم بين مرج أفيح وماء سلسبيل وقال لهما: كلا منها رغداً حيث شئتما لا جناح بعد اليوم عليكما، فبنت "جنفياف" حيث كانت في الغاب معبداً حمداً لله على حياتها وشكراً وهو لايزال حتي اليوم عبرة للمارين وذكرى.
قد شيد فيه أخيراً مذبح نقش عليه خلاصة ما كان وضريح دفن به بعد ذلك العروسان، وقد نظم بلغاء الإفرنج المهم من حوادث "جنفياف" المجيدة شعراً، وألف كتبتهم في أنبائها روايات تترى، عرب إحداها وطبعت ونشرت للعالم وهي على علاتها تثير الأشجان، وتهيج الأحزان، وتتلو على قارئها (كل من عليها فان)(الرحمن: ٢٦) .
[جنفياف القديسة]
سميت محامية لباريس ولدت في بلدة "تنشر" نحو سنة ٤٢٢ ميلادية، وتوفيت في باريس سنة ٥١٢م حس أشهر التقاليد كان أبواها "سفيروس" و"جيرونتيا" فقيرين جدا، وكان عملها وهي صغيرة أن ترعى المشاية على قمة جبل "فالريان" حقل يدعى باسمها، وكذلك نبع ومغارة عند حضيضه، ولما كان عمرها ١٥ سنة أقامها للخدمة الدينية القديس "جرمانوس الأوستري".
وقد نبأت سنة ٤٤٩م بمهاجمة الهونة تحت قيادة "أطيلا"، ولما تهدد هذا القائد سنة ٤٥١م أن يهاجم باريس يقال: إن شجاعتها وبراعتها خلصت المدينة وكذلك في أثناء حصار الفرنكة لباريس تحت قيادة "كلوفيس" كانت تقوي الأهالي وتشجعهم، واتخذت طريق لإدخال المؤنة إلى المدينة، ولما أخذت باريس خلصتها شفاعة "جنفياف" من الاعمال القاسية، وكان "كلوفيس" يعتبرها وقد دفنت بالقرب منه في كنيسة القديسين "بطرس" و"بولس" التي بنياها، وقد سميت تلك الكنيسة مع الدير المجاور لها باسمها، وتابوتها الذي يقال إنه من عمل "سان ألدا" جعل مكانه في القرن الثالث عشر تابوت