أوصله إلى محله على الصورة المذكورة وفي ذلك يقول الأديب الكامل والشاعر الناثر عبد الله بن سلامة الأدكاوي:
ببنت رسول الله طيبة الثنا ... نفيسة لذ تظفر بما شئت من عز
ورم من جداها كل خير فإنها ... لطلابها يا صاح أنفع من كنز
ومن أعجب الأشياء تيس أراد أن ... يضل الورى في حبها منه بالعنز
فعاجلها من نور الله قلبه ... بذبح وأضحى الشيخ من أجلها مخزي
[نصرة إيلياس غريب]
ولدت نصرة غريب بطرابلس الشام عام ١٨٦٢ م من عائلة غريب وأمها من فاضلات النساء, فورثت منها طيب الأخلاق وصفاء النية ورقة الجانب وكانت وحيدتها فاعتنت بتربيتها وأرضعتها لبان العلوم في أحسن مدارس طرابلس فتمكنت منها المناقب الحسنة بالقدوة والتربية وهذه القوى الثلاث أي الوراثة والقدرة مصدر الأخلاق ودعامتها, فقلما يطيب فرع أصله خبيث, وقلما يخبث فرع أصله طيب.
ولما بلغت السابعة عشرة اقترنت بجناب الوجيه "عزتلو ادوار بيك إيلياس" وسكنا في مدينة الإسكندرية مدة ثم انتقلا إلى مصر القاهرة واشتهرت بين معارفها وسيداتها بالذكاء وصفاء النية, وعزة النفس, وحب الإنسانية. وقيل: إنها كانت تتصدق على الأرامل والمحتاجين الصدقات الكثيرة مع ما كانت عليه من الاقتصاد في النفقات الابتعاد عن الإسراف في المعيشة.
وكانت تعين زوجها في جميع أشغاله وفي تدبير بيتها, ولها الرأي الصائب والقول السديد كما شهد هو نفسه ولما جاءت إلى القاهرة ورأت أن ليس فيها عند الطائفة الأرثوذكسية جمعية خيرية أخذت تحث وجهاء هذه الطائفة على إنشاء جمعية مثل جمعية الإسكندرية لمساعدة المساكين.
وكانت تحب جريدة المقتطف العلمية وتطالعها وتذاكر في بعض مواضيعها, وتلتذ بالمذاكرة العلمية فتصغي إليها بكليتها كمن يفهم دقائق الأمور وكانت كثيرة المالعة دقيقة الانتقاد, وإذا أعجبها كتاب أشارت على صديقاتها بمطالعته وإذا رأت في كتاب ما لا ستحسن ذمته ولامت واضعيه.
وكانت اجتمعت مع مريم مكاريوس وأخريات من الفاضلات يتذاكرن في حالة المرأة الشرقية ووددن أن يعم تعليم البنات وتهذيبهن على أسلوب يصرفهن عن الاكتفاء بقشور التمدن الأوربي ويرغبهن باقتباس الفضائل السامية التي ترفع شأن المرأة وتؤهلها لتربية النوع الإنساني.
ولما كانت على هذه الصفات الحسنة لم تكن طويلة العمر مديدة الحياة حتى كانت تنفع بنات جنسها ولكن اختطفتها المنية وهي في ريعان الشباب فتوفيت مأسوفا عليها من الجميع.