للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان بعضهم يقول أيضاً:

يا بني الزهراء والنور الذي ... ظن موسى أنه نار قبس

لا أوالي قط من عاداكم ... أنهم آخر سطر في عبس

وبعد وفاتها صارت أرباب الدولة تبني ضريحها الشريف تبركا بمقامها المنيف, فمنهم ذات الحجاب المنيع والقدر الرفيع, والدة السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب أنشأت رباطا بجوارها والملك الناصر محمد بن قلاوون أمر بإنشاء جامع بخطبة وشيد بناءه, ولما توفي الخليفة أمير المؤمنين أبو العباس أحمد بن العباس المعروف بالأسمر في سنة إحدى وسبعمائة أمر السلطان الناصر أن يدفن بالمشهد النفيسي فدفن هناك وأقيمت عليه قبة.

ومن النوادر التي حصلت في مشهد السيدة نفيسة كما قال الجبرتي في تاريخه والأمير علي باشا مبارك في خططه أنه في سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف اجتمع الخدام في المشهد النفيسي بواسطة كبيرهم الشيخ وأظهروا عنزا صغيرا وزعموا أن جماعة أسرى من بلاد النصارى توسلوا بالسيدة نفيسة وأحضروا ذلك العنز لذبحه في الليلة التي يجتمعون فيها للذكر والدعاء ويتوسلون في خلاصهم من الأسر, فاطلع عليهم الكافر فزجرهم وسبهم ومنعهم من ذبح العنز فرأى في المنام رؤيا هائلة فاعتقهم وأعطاهم دراهم وصرفهم مكرمين فحضروا إلى مصر ومعهم العنز فذهبوا بها إلى المشهد النفيسي وكثرت فيه الخرافات وتقاويل الناس فمن قائل: إنهم أصبحوا وجدوها عند المقام. ومن قائل: فوق المنارة. ومن قائل: سمعناها تتكلم. ومنهم من يقول: السيدة أوصت عليها وأن الشيخ سمع كلامها من القبر, ثم بعد هذه الشهرة أبرزها الناس وجعلها بجانبه وجعل يقول من الخرافات التي يستجلب بها قلوب الناس ويجمع بها الدنيا وتسامع الناس بذلك وأقبلوا من كل فج رجالا ونساء لزيارتها, وأتوا للشيخ بالنذور والهدايا, وعرفهم أنها لا تأكل إلا قلب اللوز والفستق, ولا تشرب إلا ماء الورد والسكر المكرر, فأتوه من كل جانب بالقناطير من ذلك وعلموا للعنز القلائد والأطواق الذهبية, وافتتنوا بها وشاع ذلك الخبر عند الوزراء والأمراء وأكابر النساء فجعلن يرسلن كل على قدر مقامه من النذور, وازدحمن على زيارتها فأرسل الأمير عبد الرحمن كتخدا إلى الشيخ عبد اللطيف يتلمس منه الحضور إليه بالعنز ليتبرك بها هو وحريمه فركب الشيخ بغلته والعنز في حجره, وصحبته الطبول والبيارق والجم الغفير من الناس حتى دخلوا إلى بيت ذلك الأمير علىتلك الحالة, وصعد بها إلى المجلس وعنده كثير من الأمراء فتملس بها وأمر بإدخالها إلى الحريم للبركة, وكان قد أوصى بذبحها وطبخها, فلما ذبحوها وطبخوها أخرجوها مع الغداء فأكلوا منها وصار الشيخ يأكل والأمير يقول: كل يا شيخ من هذا التيس السمين. فيقول: والله إنه طيب ونفيس, وهو لا يعلم أنه عنزه وهم يتغامزون ويضحكون, فلما أكلوا وشربوا القهوة طلب الشيخ العنز فعرفه الأمير أن الذي كان بين يديه وأكل منه هو العنز, فبهت الشيخ عند ذلك ثم بكته الأمير ووبخه وأمر أن يوضع جلد العنز على عمامته, وأن يذهب به كما جاء بموكبه وبين يديه الطبول والأشائر ووكل به من

<<  <   >  >>