ولما حجت عائشة بنت طلحة جاءتها الثريا وأخواتها، ونساء أهل مكة القرشيات وغيرهن، وكان الغريض فيمن جاء فدخل النسوة عليها فأمرت لهن بكسوة وألطاف كانت قد أعدتها لمن يجيئها، فجعلت تخرج كل واحدة ومعها جاريتها ومعها ما أمرت به لها عائشة والغريض بالباب حتى خرج مولياته مع جواريهن الخلع والألطاف فقال الغريض: فأين نصيبي من عائشة؟ فقلن له: أغفلناك، وذهبت عن قلوبنا. فقال: ما أنا ببارح من بابها أو آخذ بحظي منها فإنها كريمة بنت كرام واندفع يغني بشعر جميل:
تذكرت ليلى فالفؤاد عميد ... وشطت نواها فالمزار بعيد
فقالت: ويلكم هذا مولى العيلات بالباب يذكر نفسه هاتوه، فدخل، فلما رأته ضحكت وقالت: لم أعلم مكانك ثم دعت له بأشياء أمرت له بها، ثم قالت له: إن أنت غنيتني صوتا في نفسي فلك كذا وكذا شيء سمته له فغناها في شعر كثير:
وما زلت من ليلى دلن طر شاربي ... إلى اليوم أخفي حبها وأداجن
وأحمل في ليلى لقوم ضغينة ... وتحمل في ليلى علي الضغائن
فقالت له: ما عدوت ما في نفسي ووصلته فأجزل. قال: إسحاق: فقلت لأبي عبد الله: وهل علمت حديث هذين البيتين ولم سألت الغريض ذلك؟ قال: نعم.
نقل عن الشعبي أنه قال: دخلت مسجدا فإذا أنا بمصعب بن الزبير على السرير جالس، والناس عنده، فسلمت ثم ذهبت لأنصرف فقال لي ادن مني يا شعبي فدنوت حتى وضعت يدي على مرافقه، ثم قال: إذا قمت فاتبعني فجلس قليلا، ثم نهض فتوجه نحو دار موسى بن طلحة فتبعته، فلما دخل في الدار التفت إلي فقال: ادخل، فدخلت معه فإذا حجلة رأيتها لبعض الأمراء فقمت ودخل الحجلة فسمعت حركة، فكرهت الجلوس ولم يأمرني بالانصراف فإذا بجارية قد خرجت، فقالت: يا شعبي، إن الأمير يأمرك أن تجلس، فجلست على وسادة ورفع سجف الحجلة فإذا أنا بمصعب بن الزبير ورفع السجف الآخر فإذا أنا بعائشة بنت طلحة قال: فلم أر زوجا قط كان أجمل منهما مصعب وعائشة فقال مصعب: يا شعبي، هلت عرف هذه؟ فقلت: نعم، أصلح الله الأمير. قال: ومن هي؟ قلت: سيدة نساء المسلمين عائشة بنت طلحة قال: لا، ولكن هذه ليلى التي يقول فيه الشاعر: (وما زلت من ليلى لدن طر شاربي) - البيتين المتقدم ذكرهما -ثم قال: إذا شئت فقم، فقمت.
فلما كان العشي رحت وإذا هو جالس على سريره في المسجد، فسلمت، فلما رآني قال لي ادن مني فدنوت حتى وضعت يدي على مرافقه فأصغى إلي فقال: هل رأيت مثل ذلك الإنسان قط قلت: لا والله قال: أفتدري لم أدخلناك قلت: لا، قال: لتحدث بما رأيت.
فيظهر من هذه الرواية أن طباعهم في ذاك العصر كانت كطباع الغربيين في عصرنا هذا من قبل النساء لا كرجالنا الذين يخافون أن يظهروا للنساء أدنى شيء من الفضل غيرة عليهن ويزعموا أن هذا العز الكبر. رجعنا إلى بقية الحديث، قال: ثم التفت إلى عبيد الله بن أبي فروة فقال: أعطه عشرة آلاف درهم وثلاثين ثوبا قال: فما انصرف يومئذ أحد بمثل ما انصرف به بعشرة آلاف درهم وبمثل كارة القصار ثياباً وبنظرة من عائشة بنت طلحة.
[عائشة النبوية ابنة جعفر الصادق]
عائشة النبوية ابنة جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين وأخت موسى الكاظم.
قال المناوي: كانت من العابدات الجاهدات، وكانت تقول - رضي الله عنها - وعزتك وجلالك لئن أدخلتني النار