للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البصري على طلاقها فأجابها لذلك واستصحب معه رواية أبي شفقل وراوية أخرى وصحبت النوار رجالا كثيرة كانوا يلوذون بالسواري خوفا من الفرزدق أن يراهم, فساروا جميعا حتى أتوا الحسن البصري.

فقال له الفرزدق: يا أبا سعيد, اشهد أن النوار طالق ثلاثا. فقال الحسن: قد شهدنا فلما انصرفوا.

قال الفرزدق لأبي شفقل: قد ندمت. فقال له: والله إني لأظن أن دمك يترقرق, أتدري من أشهدت! -يعني بذلك الحسن البصري- والله لئن رجعت لترجمن بالأحجار ومضى وهو يقول:

ندمت ندامة الكسعي لما ... غدت مني مطلقة نوار

ولو أني ملكت يدي وقلبي ... لكان علي للقدر الخيار

وكانت جنتي فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الضرار

وكنت كفاقئ عينيه عمدا ... فأصبح ما يضيء له النهار

وقيل: إن النوار أوصت الفرزدق قبل موتها أن يصلي عليها الحسن البصري فأخبره الفرزدق في ذلك.

فقال له: إن كانت وفاتها قبلنا فأخبرني بها فكان كذلك, وقد توفيت وأخرجت وجاء الحسن البصري وسبقهما الناس, فانتظروهما. فأقبلا والناس منتظرون, فقال الحسن: ما للناس؟ فقال الفرزدق: ينتظرون خير الناس وشر الناس. فقال الحسن: لست بخير الناس ولا شرها, ثم صلوا عليها ودفنوها.

وقال له الحسن: ما أعددت لهذا المضجع؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة, ثم نظر إلى قبر النوار وأنشد:

لقد خاب من أولاد آدم من مشى ... إلى النار مغلول القلادة أزرقا

أخاف وراء القبر إن لم يعافني ... أشد من القبر التهابا وأضيقا

إذا جاءني يوم القيامة قائد ... عنيف وسواق يقود الفرزدق

[نيكتورسيس]

هي ملكة فرعونية من ملوك مصر وهي من ملوك الدولة السادسة المصرية, كانت أكثر نساء عصرها لطفا وجمالا, وأشهر بنات مصرها فضلا وكمالا, وأغزر علماء زمانها عقلا ودهاء, وأوفر الناس حزما وذكاء قيل: إن المصريين أشربوا حبها وفتنوا بها, فأدخلوها بعد الممات في مصاف المعبودات.

ومما ذكر عن دهائها أن فريقا من رجال الدولة وثبوا على أخيها وقتلوه إذ كان ملكا قبلها وكان ذلك منهم بغيا وظلما ولما خلفته على العرش دعت الباغين لمأدبة أعدتها لهم في قصر عظيم جميل قائم على أخدود بجوار نهر النيل ولما مدت الأسمطة وابتدأوا بالطعام وآلات الطرب عازفة تبدد بألحانها كتائب الأشجان, وتغنيهم بأغاريد تغنيهم عن ارتشاف سلافة ألحان, أمرت إذ ذاك بماء نهر النيل فنساب عليهم حتى أغرقهم عن آخرهم وكانوا زهاء الخمسين فلقوا كنودهم الذميم, وأملت عليهم إن كيد عظيم:

وما من يد إلا يد الله فوقها ... وما ظالم إلا سيبلى بأظلم

<<  <   >  >>