لها: دارمية وكانت سوداء كثيرة اللحم فأخبر بسلامتها فبعث إليها فجيء بها فقال: ما جاء بك يا ابنة حام؟ فقالت: لست بابنة حام أنا امرأة من بني كنانة وأنت طلبتني. قال: صدقت أتدرين لم بعثت إليك؟ قالت: لا يعلم الغيب إلا الله. قال بعثت إليك أسألك علام أحببت عليا وأبغضتني، وواليته وعاديتني؟ قالت: أو تعفيني. قال: لا أعفيك. قالت: أما إذا أبيت فإني أحببت عليا على عدله في الرعية، وقسمته بالسوية، وأبغضك على قتال من هو أولى منك بالأمر وطلبك ما ليس لك به حق، وواليت عليا على ما عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم من الولاء وحبه المساكين وإعظامه لأهل بيته، وعاديتك على سفكك الدماء، وجورك في القضاء، وحكمك بالهوى.
قال: فلذلك انتفخ بطنك وعظم ثدياك وربت عجيزتك. قالت: يا هذا! بهند والله كان يضرب المثل في ذلك لأبي سفيان وهند. قال معاوية: يا هذه! اربعي فإنا لم نقل إلا خيرا، إنه إذا انتفخ بطن المرأة تم خلق ولدها وإذا عظم ثدياها تروي رضيعها، وإذا عظمت عجيزتها رزن مجلسها.
فلما سمعت ذلك رجعت وسكن غضبها ثم قال لها: يا هذه! هل رأيت عليا؟ قالت: نعم رأيته. قال: فكيف رأيته؟ قالت: رأيته والله لم يفتنه الملك الذي فتنك ولم تشغله النعمة التي شغلتك. قال: فهل سمعت كلامه؟ قالت: نعم، والله فكان يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت الصدأ من الطست.
قال: صدقت، فهل لك من حاجة؟ قالت: أو تفعل إذا سألتك؟ قال: نعم، قالت: تعطيني مائة ناقة حمراء جملها وراعيها قال: ماذا تصنعين بها؟ قالت: أغذوا بألبانها الصغار، وأستحيي بها الكبار، وأكتسب بها المكارم وأصلح بها بين العشائر. قال: فإن أعطيتك ذلك فهل أحل عندك محل علي بن أبي طالب؟ قالت: سبحان الله أو دونه. فأنشأ معاوية يقول:
إذا لم أعد بالحلم مني عليكم ... فمن ذا الذي بعدي يؤمل للحمل
خذيها هنيئا واذكري فعل ماجد ... جزاك على حرب العداوة بالسلم
ثم قال: أما والله لو كان علي حيا ما أعطى منها شيئا. قالت: ال والله ولا وبرة واحدة من مال المسلمين ثم أخذتها وانصرفت.
[دختنوس ابنة لقيط بن زرارة بن عباس الدرامي]
تزوجها عمرو بن عمرو بن عدس وكانت ابنة عمه وكان عمرو تزوجها بعدما أسن وكان أكثر قومه مالا وأعظمهم شرفا فلم تزل تولع به وتؤذيه وتسمعه ما يكره وتهجوه حتى طلقها فتزوجها من بعده ابن عمها عمير بن معبد بن زرارة، وكانت "دختنوس" شاعر لها شعر كثير منه هجو ومديح ورثاء وكانت ذات شجاعة عظيمة وحكمة غريبة ورأي صائب وكان أبوها لقيط يرجع إلى رأيها ويأخذها في غزواته لكي تهديه إلى الصواب عند الخطأ.
وكان أخذها معه في يوم "شعب جبلة" بينه وبين عامر وعبس وكان وجد في طريقه كرب بن صفوان بن الحباب السعدي وكان شريفا فطلب منه الصحبة فأبى محتجا بالبحث عن إبل له فقال: لا أدعك تذهب فتخبر بي القوم فحلف له أن لا يخبرهم ثم سار عنهم وهو مغضب. فلما دنا منهم أخذ خرقة وصر فيها حنظلة وترابا وشوكا وخرقتين من يمانية وخرقة حمراء وعشرة أحجار سود، ثم رمى بها حيث يسقون ولم يتكلم فوصلت إلى قيس بن زهير العبسي فقال: هذا من صنع الله بنا هذا رجل قد أخذ عليه عهد أن لا يكلمكم فأخبركم أ، أعداءكم قد غزوكم وهم بنو حنظلة، وصاحب بن زرارة، وقبيلتان من اليمن، وفي عشرة أيام يكونون عندكم فخذوا حذركم ولما عاد كرب بن صفوان قال له لقيط: قد أنذرت القوم فأعاد الحلف أنه لم يكلم أحدا فأطلقه فقالت له