المأمون وقواده وجميع أصحابه وأجناده وأتباعه وكانوا خلقا لا يحصون وعلى الحمالين والمكارية والملاحين وكل من ضمه عسكره فلم يكن في العسكر من يشتري شيئا لنفسه أو لدابته وقد قالت الشعراء والخطباء في ذلك الزفاف أشياء كثيرة ومما يستطرف في ذلك قول محمد بن حازم الباهلي:
بارك الله للحسن ... ولبوران في الختن
يا إمام الهدى ظفر ... ت ولكن ببنت من
وبقيت "بوران" عند المأمون إلى أن توفي سنة ٢١٨هـ، وتوفيت هي سنة ٢٧١ هـ وعمرها ٨٠ سنة.
[بيلمون زوجة السلطان أوزبك]
قال ابن بطوطة في "رحلته": اسمها "بيلون" - وهي ابنة ملك القسطنطينية العظمى السلطان "تكفور"- قال: لما مررنا ببلاد السلطان "أوزبك" ودخلنا عليه التزمنا بعد خروجنا من عنده أن ندخل على الملكة "بيلون" زوجته حسب عادة تلك الديار أنه متى زار أحد الملك يلزم أن يزور أزواجه وعائلته، وأكابر مملكته، فدخلنا على هذه الخاتون وهي قاعدة على سرير مرصع قوائمه فضة وبين يديها نحو مائة جارية، روميات، وتركيات، ونوبيات منهن قائمات وقاعدات، والفتيات على رأسها، والحجاب بين يديها من رجال الروم. فسألت عن حالنا ومقدمنا وعن بعد أوطاننا وبكت ومسحت وجهها بمنديل كان في يدها رقة منها وشفقة، وأمرت بالطعام فأحضر وأكلنا بين يديها، ولما أردنا الانصراف قالت: لا تنقطعوا عنا وترددوا علينا، وطالبونا بحوائجكم وأظهرت مكارم الأخلاق وبعثت في أثرنا بطعام وخبز كثير وسمن وغنم ودراهم وكسوة جيدة وثلاث من جياد الخيل وعشرة من سواها -قال-: وبقيت هذه الخاتون عند السلطان "أوزبك" مدة طويلة وهي تتفقدنا بخيراتها ومبراتها حتى قصدت الذهاب إلى القسطنطينية فذهبت معها وكان ذهابها لأجل زيارة أهلها ومكثت ولم ترجع لزوجها إلى أن ماتت.
[حرف التاء]
[تحفة الزاهدة]
هي جارية لبعض تجار بغداد كانت بارعة في الجمال تحسن صنعة العود وكان سيدها صرف عليها ماله وزاد في تعليمها وتهذيبها وكان شراؤها عليه بعشرين ألف درهم وغايته الربح فيها مثل ثمنها لحسن صنعتها وكمال أدبها واستقامتها فبينما هي يوما جالسة والعود في حجرها وهي تغني وتقول:
وحقك لانقضت الدهر عهدا ... ولا كدرت بعد الصفو ودا
ملأت جوانحي والقلب وجدا ... فكيف ألذ أو أسلو أو أهدأ
فيا من ليس لي مولى سواه ... تراك تركتني في الناس عبدا
ثم كسرت العود وقامت وبكت وانتحبت فاتهمها سيدها بمحبة إنسان فاستقصى عن ذلك فلم يجد له أثرا فحار سيدها في أمره ولم يجد لها سلوى عن الاكتئاب والهيام وقيام الليل ومناشدة الأشعار وطول التذكار وتشتت الأفكار فسألها عما أصابها فأنشدت تقول:
خاطبني الحق من جناني ... فكان وعظي على لساني
قربني منه بعد بعد ... وخصني الله واصطفاني