أمر أن تكون ربيبة أم أخيه مبارك خان مقام أم الأمير "غدا" وأن تكون امرأة أخرى من الخواتين مقام أخته وأخرى مقام عمته, وأخرى مقام خالته حتى يكون كأنه بين أهله.
ولما أجلسنه على المرتبة جعلن له الحناء في يديه ورجليه وأقام باقيهن على رأسه يغنين ويرقصن, وانصرفن إلى قصر الزفاف وأقام هو مع خواص أصحابه وعين السلطان جماعة من الأمراء يكونون من جهته وجماعة يكونون من جهة الزوجة وعادتهم أن تقف التي من جهة الزوجة على باب الموضع الذي تكون به جلوتها على زوجها ويأتي الزوج بجماعته فلا يدخلون إلى إن غلبوا أصحاب الزوجة أو يعطونهم الآلف من الدنانير إن لم يقدروا عليهم.
ولما كان بعد المغرب أتى إليه بخلعة حرير زرقاء مزركشة مرصعة قد غلبت الجواهر عليها فلا يظهر لونها مما عليها من الجوهر وبشاشية مثل ذلك, ثم ركب الأمير سيف الدين في أصحابه وعبيده وفي يد كل واحد منهم عصاً قد أعدها وصنعوا شبيه إكليل من الياسمين والنسرين والزيتون وله زخرف يغطي وجه المتكلل به وصدره وأثوابه وأعطوه إلى الأمير ليجعله على رأسه فأبى من ذلك وكان من عرب البادية لا عهد له بأمور الملك والحضر, فحاوله ابن بطوطة وحلف عليه حتى جعله على رأسه وأتى باب الحرم وعليه جماعة الزوجة فحمل من ثياب وبلغ ذلك السلطان فأعجبه فعله ودخل إلى القصر.
وقد جعلت العروس فوق منبر عال مزين بالديباج مرصع بالجوهر ملآن بالنساء والمطربات قد أحضرن أنواع الآلات المطربة وكلهن وقوف على قدم إجلالاً له وتعظيماً, فدخل بفرسه حتى قرب من المنبر فنزل وخدم عند أول درجة منه, وقامت العروس قائمة حتى صعد فأعطته التنبول بيدها فأخذه وجلس تحت الدرجة التي وقفت بها ونثرت دانانير الذهب على رؤوس الحاضرين من أصحابه ونقطها النساء والمغنيات تغنين حينئد والأطبال, والأبواق, والأنفار تضرب خارج الباب.
ثم قام الأمير وأخذ بيد زوجته ونزل وهي تتبعه فركب فرسه يطأ بها الفرش والبسط, ونثرت الدنانير عليه وعلى أصحابه وجعلت العروس في محفة وحملها العبيد على أعناقهم إلى قصره والخواتين بين يديها راكبات وغيرهن من النساء ماشيات وإذا مروا بدار أمير أو كبير خرج إليهم ونثر عليهم الدنانير والدراهم على قد رهمته حتى أوصلوها إلى قصره, ولما كان بالغد بعثت العروس إلى جميع أصحاب زوجها الثياب والدنانير والدراهم وأعطى السلطان لكل واحد منهم فرساً مسرجاً ملجماً, وبدرة دراهم من ألف دينار إلى مائتي دينار وأعطى الملك فتح الله للخواتين ثياب الحرير المنوعة والبدر, وكذلك لأهل الطرب وعادتهم ببلاد الهند أن لا يعطي أحد شيئاً لأهل الطرب إنما يعطيهم صاحب العروس, وأطعم الناس جميعاً ذلك اليوم وانقضى العرس وأمر السلطان أن يعطي الأمير "غدا" بلاد المالوة والجزأت وكيناية وسهر والة.
وجعل فتح الله المذكور نائباً عنه عليها وعظمه تعظيماً شديداً, وكان الأمير جافياً فلم يقدر ذلك حق قدره وغلب عليه جفاء البادية فأداه ذلك إلى النكبة به بعد عشرين ليلة من زفافه وذلك من تعديه على زوجته واحتقاره لها ولأهلها ورجال مملكتها, فحقدوا عليه وأخرجوه من بينهم طريداً فريداً بدون زاد ولا راحلة وبقيت المترجمة في منزل أخيها معززة مكرمة لا ينقصها شيء سوى ما فاتها من محبة زوجها وهكذا الزمان لا يصفو لأحد.
[حرف القاف]
[[قتيلة بنت النضر بن الحارث]]
قتيلة بنت النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن مناف بن عبد الدارين قصي القرشية العبدرية.