[منفوسة بنت زيد بن أبي الغوار رضي الله تعالى عنها]
كانت إذا مات ولدها تضع رأسه على حجرها وتقول: والله لتقدمك أمامي خير عندي من تأخرك بعدي ولصبري عليك أولى من جزعي عليك, ولئن كان فراقك حسرة, فإن في توقع أجرك لخيره. ثم تنشد قول عمرو بن معد يكرب رضي الله عنه:
وإنا لقوم لا تفيض دموعنا ... على هالك منا وإن قصم الظهر
[مهجة القرطبية صاحبة ولادة]
كانت من أجمل النساء في زمانها وأخفهن, وعلقت بها ولادة ولازمت تأديبها, وكانت من أخف الناس روحا ووقع بينها وبين ولادة ما اقتضى أن تهجوها. ومن شعرها في ولادة حينما كانتا مصطلحتين.
لئن قد حمى عن ثغرها كل حائم ... فما زال يحمى عن مطالبه الثغر
فذلك تحميه القواضب والقنا ... وهذا حماه ممن لواحظها السحر
ولها أشعار كثيرة لم نشأ جمعها واقتصر منها على هذا المقدار.
[مي ابنة طلابة بن قيس بن عاصم الغساني]
كان جدها قيس من أجلاء ملوك العرب وأفاضلهم حتى ضربت به الأمثال لجلاله وسماحته, وحسن جواره ودماثته, وكانت مي قصيرة, عذبة الكلام, بليغة غزالة العينين زجاء الحاجبين مر عليها غيلان بن معدي الكناني المعروف بذي الرمة, وكان غيسانيا مليحا, وشاعرا فصيحا, فأدركه الظمأ فمال إلى سرداقعلا عروضه وأطنابه, وامتدت أوتاده وأسبابه, وإذا بمي تمشط رأسها وقد أسبلت شعرها كأنه عثاكيل النخل ووجهها يشف من خلاله فقال غيلان: هل من إداوة تنفي الأوام. وتشفي من السقام, فأسرعت إلى ماء شيب باللبن وسقته, ثم رحبت به وأنزلته فجلس يأكل مما هيأت, وعيونها تروي له عن الأيام ما خبأت فما انصرف آخر النهار إلا وفي قلبه لاعج وأوار, كأنهما مارج من نار, فعطف يعاودها على طول الشقة وفرط المشقة, وينشد:
وكنت إذا ما جئت ميا أزورها ... أرى اورض تطوى لي ويدنو بعيدها
من الخفرات البيض ود جليسها ... إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها
وحدث يوما عقبة الفزاري فقال: ما معناه: أتاني يوما ذو الرمة. فقال: إن في مية خلوفا فهل لك أن تسعدني في الزيارة؟ فقلت: لبيك, ثم سرنا حتى إذا أتينا الربع نظرت النساء إلى غيلان فعرفنه فجئن يتهادين وبينهن مي حتى جلسن لائذات به فقال حسناء منهن: أسمعنا يا ذا الرمة ما قلت: فالتقت إلي وقال لي: أنشدها ما رويت