عني فاندفعت أقول قصيدته التي أولها:
وقفت على ربع لمية ناقتي ... فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
ولما بلغت قوله:
نظرت إلى أظعان مي كأنها ... ذرى النخل أو أثل تميل ذوائبه
فأسلبت العيان والقلب كاتم ... بمغرورق نمت عليه سواكبه
بكى وامق حال الفراق ولم تحل ... حوائلها أسراره ومعاتبه
هو الألف قد حان الفراق ولم تحل ... محاولها أسراره ومقانبه
قالت الحسناء: لكن اليوم فلتحل, ثم مضت في الإنشاد, حتى انتهت إلى قوله:
وقد حلفت بالله مية ما الذي ... أحدثها إلا الذي أنا كاذبه
إذا فرماني الله من حيث لا أرى ... ولا زال في أرض عدو أحاربه
قالت مي: ويحك يا ذا الرمة خف عواقب الله! ثم ما زلت في الإنشاد حتى بلغت قوله:
إذا رحت من حب لمي سوارح ... على القلب أمته جميعا عوازبه
قالت الحسناء: قتلته يا مي قتلك الله! فقالت مي: ما أصحه وهنيئا له, فأصعد ذو الرمة زفرة كاد حرها يحرق عارضيه أما أنا فداومت إنشادي حتى أنتهيت على قوله:
إذا راجعتك القول مية أوبدا ... لك الوجه منها أو نضى الدرع سالبه
فيالك من خد أسيل ومنطق ... رخيم ومرحوق تعلل شاربه
فقالت الحسناء باسمة: قدر وجع الآن القول وبدا الوجه فمن لنا بأن ينضى الدرع سالبه فضحكت مي ثم قالت الحسناء: إن لهذين شأنا ففرجوا عنهما. فقمت مع من قام وجلست بحيث أرهما فتعاتبا طويلا ولم يبرح غيلان من مكانه ولم يسمع حديثهما سوى قولها: كذبت والله ولا أدري بم كذبته. ثم جاءني ومعه نافجة طيب أهدته إياها فقال: شأنك وهده. ثم قال: وهذي قلادة أعطتنيها فو الله لأقلدنها بعيرا. ثم عقدها في سيفه كالحمائل وانصرفنا, ثم وقفنا على أطلال مي فأنشد:
ألا يا سلمى يا دار مي على البلي ... ولا زال منهلا يجر عائك القطر
وإن لم تكوني غير شام بقفرة ... تجر بها الأذيال صيفية كدر
وانضمت عيناه بالعبرة وقال: إني جلد صبور وإن كان مني ما ترى, ثم انصرفنا وكان آخر العهد به فو الله ما رأيت أشد منه صبابة ولا أحسن صبرا. ومن لطائف أشعاره قوله:
إذا هبت الأرياح من نحو جانب ... به آل مي زاد قلبي هبوبها
هوى تذرف العينان منه وإنما ... هوى كل نفس أين حل حبيبها