فيه تفجيع لمولى غارم ... لم يدعه الله يمشي بسبد
فيه تفجيع لمولى غارم ... لم يدعه الله يمشي بسبد
وقالت ترثي الزبير، وتخاطب عمرو بن جرموز الذي قتله غدرا عند رجوعه من حرب الجمل:
غدر ابن جرموز بفارس بهمة ... يوم اللقاء وكان غير معرد
يا عمرو لو نبهته لوجدته ... لا طائشا رعش الجنان ولا اليد
شلت يمينك إن قتلت مسلما ... حلت عليك عقوبة المتعمد
عن الزبير لذو بلاء صادق ... سمح سجيته كريم المشهد
كم غمرة قد خاضها لم يثنه ... عنها طرادك يا ابن فقع القردد
فاذهب فما ظفرت يداك بمثله ... فيمن مضى ممن يروح ويغتدي
وقالت ترثي الحسين عليه السلام:
وحسينا ولا نسيت حسينا ... أقصدته أسنة العداء
غادروه بكربلاء صريعا ... جادت المزن في ذرى كربلاء
[عاتكة ابنة معاوية بن أبي سفيان الأموي]
كانت في الحسن أعجوبة زمانها، وفي الأدب نادرة أقرانها، تعلمت الغناء وضروبه ولها في بعض ألحان وكان يختلف إليها بعض مغنيات مكة والمدينة فتحسن صلتهن وتجيزهن وتطلب منهن أن لا يقطعن عنها.
وفي بعض السنين لم يأتها أحد من مكة والمدينة فاستأذنت من أبيها أن يسمح لها بالحج، فسمح لها، فتجهزت بجهاز عظيم لم ير مثله، وسارت على البر تحملها وركبها المطايا، فلما وصلت لمكة نزلت بذي طوى، فمر بها وهب الجمحي - المعروف بأبي دهبل - وكان شاعرا جليلا، غيسانيا جميلا. فجعل النظر وجمرات الوجد تتأجج بفؤاده قاذفة بالشرر، وكان الوقت هجيرا والجواري رافعات عنها الأستار، ففطنت له، فذعرته وشتمته كثيرا، ثم أمرت بالسجوف فحجب بظلامها شمس النهار فقال:
إني دعاني الحين فاقتادني ... حتى رأيت الظبي بالباب
يا حسنة إذ سبني مدبرا ... مستترا عني بجلباب
سبحان من أوقفها حسرة ... صبت على القلب بأوصاب
يذود عنها أن تطلبها ... أب لها ليس بوهاب
أحلها قصرا منيع الذرى ... يحمى بأبواب وحجاب
فشاعت أبياته في مكة واشتهرت وغنى بها حتى سمعتها عاتكة إنشادا وغناء فطربت لها وسرت وبعثت إليه تهديه فتراسلا وتحابا، ولما صدرت عن مكة خرج في ركبها إلى الشام، فكانت تتعاهده باللطف والإحسان حتى إذا وردت دمشق ورد معها فانقطعت عن لقائه فمرض حتى عز شفاء دائه فقال:
طال ليلي وبت كالمجنون ... ومللت الثواء في جيرون
وأطلت المقام بالشام حتى ... ظن أهلي مرجحات الظنون
فبكت خشية التفرق جمل ... كبكاء القرين إثر القرين