[أم خالد النميرية]
كانت من نساء العرب المشهورات بالعقل والذكاء والتدبير في قبيلتها بني نمير وهي مشهورة بأم خالد وشهرتها غلبت اسمها, ولذلك لم تأت الرواة عليه ولها أبيات في ولدها خالد وكان توفي في بعض الغزوات ودفن في الغربة وهي:
إذا ما أتتنا الريح من نحو أرضه ... أتتنا برايات نصاب هبوبها
أتتنا بمسك خالط المسك عنبر ... وريح خزامى باكرتها جنوبها
أحن لذكراه إذا ما ذكرته ... وتنهل عبرات تفيض غروبها
حنين أسير نازح شد قيده ... وأعوال نفس غاب عنها حبيبها
وقالت وهو يروى لأم الضحاك المحاربة:
وكيف يساوي خالدا أو يناله ... خميص في التقوى بطين من الخمر
[أم الخير ابنة الحريش بن سراقة البارقية]
كانت من المتكلمات الخطيبات البليغات من نساء العرب وفدت على معاوية كما قال عبد الله بن عمر الغساني عن الشعبي أن معاوية كتب إلى واليه بالكوفة أن يحمل إليه أم الخير ابنة الحريش ورحلها وأعلمه أنه مجازيه بالخير خيرا, وبالشر شرا بقولها فيه, فلما ورد عليه كتابه ركب إليها فأقرأها كتابه فقالت: وأما أنا فغير زائغة عن طاعته, ولا معتلة بكذب. ولقد كنت أحب لقاء أمير المؤمنين لأمور تختلج في صدري فلما شيعها وأراد مفارقتها قال لها: يا أم الخير إن أمير المؤمنين كتب إلي أنه مجازيني بالخير خيرا, وبالشر شرا فما عندك؟ قالت: يا هذا, لا يطعمك برك بي أن أسرك بباطل ولا يؤيسك معرفتي بك أن أقول فيك غير الحق فسارت خير مسير حتى قدمت على معاوية, فأنزلها مع الحرم.
ثم أدخلها في اليوم الرابع وعنده جلساؤه فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته, قال لها: وعليك السلام يا أم الخير بحق ما دعوتني بهذا الاسم. قالت: يا أمير المؤمنين, لكل أجل كتاب. قال: صدقت, فكيف حالك يا خالة وكيف كنت في مسيرك؟ قالت: لم أزل يا أمير المؤمنين في خير وعافية حتى سرت إليك فأنا في مجلس أنيق عند ملك رفيق, قال معاوية: بحسن نيتي ظفرت بكم. قالت: يا أمير المؤمنين, يعيذك الله من دحض المقال وما تخشى عاقبته. قال: ليس هذا أردنا, أخبريني كيف كان كلامك إذ قتل عمار بن ياسر؟ قالت: لم أكن زورته قبل ولا رويته بعد وإنما كانت كلمات نفثها لساني عند الصدمة فإن أحببت أن أحدثك مقالا غير ذلك فعلت, فالتفت إلى جلسائه فقال: أيكم يحفظ كلامها؟ فقال رجل منهم: أنا أحفظ بعض كلامها يا أمير المؤمنين. قال: هات. قال: كأني بها بين بردين زائرين كثيفي النسيج وهي على جمل أرمك, وبيدها سوط منتشر الضفيرة, وهي كالفحل يهدر في شقشقته تقول: "يا أيها الناس, اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة في عمياء مدلهمة, فأين تريدون رحمكم الله إفرارا عن أمير المؤمنين أم فرارا من الزحف, أم رغبة عن الإسلام, لأم ارتدادا عن الحق؟ أما سمعتم الله جل شأنه يقول: (ولنبلونكم حتى نعلم المجهدين منكم والصبرين ونبلوا أخباركم) (محمد: ٣١) .
ثم رفعت رأسها إلى السماء وهي تقول: اللهم قد عيل الصبر وضعف اليقين وانتشرت الرغبة وبيدك يا رب أزمة القلوب فاجمع اللهم بها الكلمة على التقوى وألف القلوب على الهدى واردد الحق إلى أهله هلموا رحمكم الله إلى الإمام العادل والرضي التقي, والصديق الأكبر إنها إحن بدرية وأحقاد جاهلية وسببها واثب حين الغفلة ليدرك ثارات بني عبد شمس, ثم قالت: قاتلوا أئمة الكفر إنهم لا إيمان