يطلب سرور الناظرين منك يا فاعلة يا صانعة. وتمكن السكر من ابن قزمان وآل الأمر إلى أن تدافعوا معه حتى رموه في البركة, فما خرج إلا وهو قد شرب كثيرا من الماء ثيابه تهطل.
فقال: اسمع يا وزير, وقال له أبياتاً, أضربنا عنها لعدم اللزوم وخروجها عن حد الآداب, فأمر له بما يليق من الثياب وأجزل له الصلة وكانت تقرأ على أبي بكر المخزومي الأعمى, فدخل عليها أبو بكر الكندي فقال يخاطب المخزومي: لو كنت تبصر من تجالسه فأفحم وأطال الفكر فما وجد شيئا فقالت نزهون: لغدوت أخرس من جلالته البدر يطلع من أزرته والغصن يمرح في غلالته ومن شعرها:
لله در الليالي ما أحيسنها ... وما أحيسن منها ليلة الأحد
لو كنت حاضرنا فيها وقد غفلت ... عين الرقيب فلم تنظر إلى أحد
[نعمى جارية ظريف بن نعيم]
كانت أدبية ظريفة ذات جمال زاهر, ولطف باهر. وكان سيدها شغف بها شديدا, فلما كان يوم وهو جالس في داره إذا بشرطة الحجاج دخلت عليه فأخذوه حتى أدخلوه عليه فقال: علي بالجارية. فقال أصلح الله الأمير إنها روحي فلا تكن سبب هلاكي, فأمر بالقبض عليه وأرسل من جاء بالجارية, فلما رآها علم أنها لا تبقى له إن عرف الخليفة بأمرها فوجه بها إلى الشام من ليلتها إلى عبد الملك وحبس الشاب, فلما زال عقله أطلقه وأخذ ماله وتوجه الشاب إلى دمشق فأقام بها مدة متنغص الحياة, فأراد أن يحتال على الاجتماع بالجارية فلم يمكن فوقع في رقعة أن رأى أمير المؤمنين أن يأمر جاريته نعمى أن تغني لي ثلاثة أصوات اقترحتها, ثم يفعل ما يشاء أن يفعل, فلما قرأ القصة اشتد غضبه, ثم عاوده الحلم, فلما انصرف أحضر الشاب والجارية وقال: مرها بما شئت. فقال لها: غني قول قيس بن ذريح:
لقد كنت حسب النفس لو دام وصلنا ... ولكنما الدنيا متاع غرور
سأبكي على نفسي بعين غزيرة ... بكاء حزين في الوثاق أسير
وكنا جميعا قبل أن يظهر النوى ... بأنعم حالي غبطة وسرور
فما برح الواشون حتى بدت لنا ... بطون الهوى مقلوبة بظهور
فغنت فمزق أثوابه, ثم قال لها غني قول جميل:
فيا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... كليلتنا حتى نرى ساطع الفجر
تجود علينا بالحديث وتارة ... تجود علينا بالرضاب من الثغر
فليت إلهي قد قضى ذاك مرة ... ويعلم ربي عند ذلك ما شكري
ولو سألت مني حياتي بذلتها ... وجدت بها أن كان ذلك من أمري