موسى) . وكان بلغها أنهما قالتا: نحن أكرم على رسول الله منها، نحن أزواج رسول الله، وبنات عمه.
وعن صفية أن النبي صلى الله عليه وسلم حج بنسائه، فلما كان ببعض الطريق برك بصفية جملها فبكت وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخبر بذلك فجعل يمسح دموعها بيده وجعلت تزداد بكاء وهو ينهاها، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، فلما كان عند الرواح قال لزينب بن جحش:(يا زينب أفقري أختك جملا) وكانت من أكثرهن ظهرا قالت: أنا أفقر يهوديتك؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع ذلك منها فلم يكلمها أيام منى حتى قدم مكة. وفي سفره حتى رجع إلى المدينة ومحرم وصفر فلم يأتها ولم يقسم لها، ويئست منه، فلما كان شهر ربيع الأول دخل عليها فلما رأت ظله قالت: هذا ظل رجل وما يدخل علي إلا رسول الله فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأته قالت: يا رسول الله، ما أصنع؟ قال: كانت لها جارية تخبؤها من النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: فلانة لك. قال: فمشى النبي صلى الله عليه وسلم إلى سريرها وكان قد رفع فوضعه بيده ورضي عن أهله.
وروى عنها علي بن الحسين قالت: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أتحدث عنده وكان معتكفا في المسجد فقام معي يبلغني بيتي فلقيه رجلان من الأنصار قالت: فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجعا فقال: (تعاليا فإنها صفية) . فقالا: نعوذ بالله سبحان الله يا رسول الله! فقال: (إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم) . وتوفيت سنة ست وثلاثين. وقيل: سنة خمسين - رحمها الله تعالى.
[الملكة صفية والدة السلطان سليمان الثاني ابن السلطان إبراهيم]
كانت مولدة من بنات الجركس جاءت السراي الهمايونية وهي صغيرة وبعد مدة ظهرت نجابتها وبان رونقها وجمالها فاستحظى بها السلطان سليمان، وبقيت عنده مكرمة معززة حتى مات، وتولى الملك ولدها المشار إليه، فصارت أعز مما كانت عليه، وكثرت نفقاتها على فعل الخير والبر والإحسان.
ومن مآثرها الجامع المنسوب إليها الكائن بمصر القاهرة. قال الأمير علي باشا مبارك في (خطط مصر التوفيقية) إن هذا المسجد بجهة الحبانية في حارة الداودية عن يسار الذاهب من شارع محمد علي إلى قلعة الجبل بمصر، وهو مرتفع الأرضية نحو أربعة أمتار وله بابان يصعد إلى كل منهما بعدة سلالم متسعة مستديرة، وله صحن متسع بدائرة، إيوان مسقف بقباب على أعمدة من الحجر والرخام وفي مقصورة الصلاة منبر خشب ودكة في دائرها شبابيك لها أبواب من الخشب عليها نقوش ومطهرته بمرافقها منفصلة عنه بالطريق، وشعائره مقامة بنظر ديوان الأوقاف المصرية، وهو من إنشاء عثمان أغاة بن عبد الله أغاة دار السعادة، ثم آل بطريق شرعي لسيدته الملكة صفية كما في كتاب وقفيته.
وملخص ذلك أن الملكة علية الذات، صفية الصفات، والدة السلطان، قد وكلت عن نفسها، فخر الخواص والمقربين، وذخر أصحاب العز والتمكين عبد الرزاق أغا بن عبد الحليم أغاة دار السعادة وفي دعواه أن عثمان أغا - المذكور - هو عبدها ومملوكها إلى الآن، فحضر بالمحكمة الشرعية، وأشهد بوكالته شاهدين عدليين، وقرر دعواه بحضور فخر إلا ما جد داود أغا بن عبد الدائم المتولى على وقف الجامع الشريف بجهة الحبانية الذي بناه المرحوم عثمان أغا بن عبد الله فقال ذلك الوكيل في الدعوى أن عثمان - المذكور - هو عبد ومملوك موكلتي المشار إليها وأنه ليس مأذونا ببناء الجامع ولا بإيقاف بلده الملك له المعروفة بزاوية تميم من ولاية منوف المشتملة على أربعمائة فدان ولا بإيقاف المنزل المملوك له بطريق (بولاق) قرب قنطرة الدوادار المشتمل على أربعة مخازن وبيت وقهوة واثنين وثلاثين دكانا وخمس عشرة خزانة، وخمس طواحين وإصطبل وخمس آبار عذبة الماء ومدبغ بقر، ومدبغ غنم، ومسلخ بقر فذلك الإيقاف