لا تأمن الموت في حل وفي حرم ... إن المنيات تفني كل إنسان
واسلك طريقك هو لا غير مكترث ... فسوف يأتيك ما يجني لك الجاني
فقال: والله لولا أني أعلم أنك غنيت بما في قلبك لصاحبك وإنك لم تنذريني لمثلت بك ولكن خذوا بيدها فأخرجوها فأخرجت.
ولما مات علي هشام جاء النوائح فطرح بعض من حضر من مغنياته عليهن نوحاً من نوح متيم, وكان حسناً جيداً فأبطأ نوح النوائح التي جئن لحسنه وجودته, وكانت زين حاضرة فاستحسنته جداً وقالت: رضي الله عنك يا متيم كنت علماً في السرور, وأنت علم في المصائب.
وماتت متيم هي وإبراهيم بن المهدي وبذل في آن واحد, وكانت للمعتصم جارية ذات مجون فقالت: يا سيدي, أظن أن في الجنة عرساً فطلبوا هؤلاء إليه فنهاها المعتصم عن هذا القول وأنكره, فلما كان بعد أيام وقع حريق في حجرة هذه القائلة فاحترق كل ما تملكه وسمع المعتصم الجلبة فقال: ما هذا؟ فأخبر عنه, فدعا بها فقال: ما قصتك؟ فبكت وقالت: يا سيدي احترق كل ما أملكه. فقال: لا تجزعي فإن هذا لم يحترق وإنما استعاره أصحاب ذلك العرس.
[مرغريتا الفرنساوية ملكة إنكلترا]
هي "مرغريتا أف أنجو" زوجة "هنري السادس" كانت من النساء العاقلات العالمات بضروب السياسة والأحكام, تربت تربية مجد وشرف.
ولما اقترن بها "هنري السادس" استحوذت على قلبه وملكت الشعب الإنكليزي بحسن سياستها وتدبيرها ملكاً لم يسبق لغيرها من الملكات قبلها وكانت ظالمة عاتية على المذنبين لديها.
وكان زوجها حليماً قليل الهمة سليم الطباع لا يلاقي الحوادث بقوة ونشاط حتى نشأ من سبب ضعفه وعدم اقتدار "مرغريتا" بمفردها على تدبير المملكة رجوع عائلة "بورك" على ما كانت تدعيه سابقاً من حقوق التملك, وكان كبار حزب "لنكستر" وهم: الكردينال "بوفورت", ودوق "دولدفورد", ودوق "دوغلوستر" الذين دبروا الملك لما كان "هنري السادس" قاصراً قد توفوا عن آخرهم فقام "رتشرد" دوق "بورك" وهو والد "إدوارد الرابع" وأخذ يظهر بكل رفق ودقة حقه في الملك فعضده في ذلك أرل "ورويك" وارل " سلزيري".
وكان من أعيان إنكلترا الأقوياء فجرد السيف لمقاتلة "سمرست" آخر الأشراف الكبار من عائلة "لنكستر" فانتصر في "سنت البنس" سنة ١٤٥٥ م, وكان ذلك الانتصار بداية الحرب بين حزب "وردة لنكستر الحمراء" وحزب "وردة بورك البيضاء" وتقلبت الأحوال على "رتشرد" فكان ينجح مرة, ثم يصادف فشلاً مرة أخرى إلى أن كسرته الملكة "مرغريتا" وذبحته في "ويكفيلد" سنة ١٤٦٠ م فتقلد ابنه "إدوارد" رياسة جيش موات من سكان حدود "ولس" ومن سكان الجبال وهزم عساكر جرارة تحت قيادة ارل "بميروك" وارل "أرمند" بالقرب من "هردفرد".
ثم سار إلى الجهة الجنوبية وأتي لنجدته ارل "ورويك" الذي انكسر في برنت فسار إلى لندن فدخلها من دون ممانعة, واستمال إليه الناس بحداثة سنه وجراءته وجماله, وأقره المجلس العالي على تخت الملك في ٤ آذار (مارس) سنة ١٤٦١ م, فصار للمملكة ملكان وجيشان ملكيان مختلفان في البلاد, واستعد الفريقان للقتال كل الاستعداد واجتمع في "توتون" بالقرب من "بورك" ١٠٠ ألف مقاتل من الإنكليز من كلا الفريقين واصطفوا للقتال وقر الرأي على أنه لا يعفى عن أسرى الحرب. وانتدأت الموقعة في ٢٩ آذار (مارس) سنة ١٤٦١ م