للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العباس بن الأحنف حيث يقول:

ما أراني إلا سأهجر من لي ... س يراني أقوى على الهجران

قد حدا بي على الجفاء وفائي ... ما أضر الوفاء بالإنسان

فخرجت إليه من وقتها وقال الهشامي: كانت متيم تحبني حباً شديداً محبة الأخت لأخيها, وكانت تعرف أني أحب النبق, فبينما أنا جالس في داري في ليلة من الليالي في وقت السحر إذا أنا ببابي يدق فقيل: من هذا؟ فقالوا: خادم متيم يريد أن يدخل إليك. فقلت: يدخل, فدخل ومعه صينية فيها نبق, فقال لي: إن متيم تقرئك السلام وتقول لك: كنت عند أمير المؤمنين المعتصم بالله فجاءه نبق من أحسن ما يكون فأمر أن يوضع في صينية ويقدموها إلى متيم ففعلوا فأمرتني أن آتي بها إليك ودفعت إلي كمية من النقود حتى أدفعها إلى الحراس ليخرجوني بها وها هي عند المعتصم.

ووفدت على علي بن هشام جدته من خراسان فقالت له يوماً: اعرض علي جواريك. فعرضهن عليها ثم جلس على الشراب وغنت متيم وأطالت جدته الجلوس, فلم ينبسط ابن هشام إليهن كما كان يفعل فقال هذين البيتين:

أيبقى على هذا وأنت قريبة ... وقد منع الزوار بعض التكلم

سلام عليكم لا سلام مودع ... ولكن سلام من حبيب متيم

وكتبها في رقعة ورمى بها إلى متيم فأخذتها ونهضت إلى الصلاة ثم عادت وقد صنعت فيه لحناً فغنت فقالت: شاهك وهي جدة ابن هشام وما أرانا ألا قد ثقلنا عليكم اليوم وأمرت الجواري فحملن محفتها وأمرت بجوائز للجواري وساوت بينهن وأمرت لمتيم بمائة ألف درهم.

ومرت متيم في نسوة وهي مستخفية بقصر علي بن هشام بعد قتله, فلما رأت بابه مغلقاً لا أنيس عليه وقد علاه التراب والغبرة وطرحت في أفنيته المزابل وقفت وقالت:

يا منزلاً لم تبل أطلاله ... حاشى لأطلالك أن تبلى

لم أبك أطلالك لكنني ... أبكيت عيني فيك وإذ ولى

قد كان لي فيك هوى مدة ... غيبه الترب وما هلا

فصرت أبكي جاهداً فقده ... عند ادكاري حيثما حلا

فالعيش أولى ما بكاه الفتى ... لا بد للمحزون أن يسلى

ثم سقطت من قامتها وجعل النسوة يناشدنها ويقلن: الله الله في نفسك فإنك لا تؤاخذين الآن فبعد كل جهد حملت تتهادى بين امرأتين حتى تجاوزت الموضع.

وقالت متيم: بعث إلي المعتصم بعد قدومه بغداد فذهبت غليه فأمرني بالغناء فغنيت:

هل مسعد لبكاء ... بعبرة أو دماء

وذا لفقد خليل ... لسادة نجباء

فقال: أعد لي عن هذا البيت إلى غيره فغنيته غيره عن معناه فدمعت عيناه وقال: غني غير هذا فغنيته.

أولئك قومي بعد عز ومنعة ... تفانوا وإلا تذرف العين أكمد

فبكى وقال: ويحك لا تغني في هذا المعنى شيئاً فغنيت:

<<  <   >  >>