كدانتون" و"مارت" و"روبس بير"· أما "روبس بير" هذا فهو الذي خلصت حياته من القتل لما ثار الشعب وأرادوا قتله حنقا عليه ففر مذعورا وقصدته مدام "رولاند" وزوجها في منتصف الليل وخبأته في بيتها ثم استعانت على خلاصه بصديق لهما بعيد النفوذ والسطوة فبرأه قبل صدور الحكم عليه فما كان من "روبس بير" إلا أنه قابل الإحسان بالإساءة فصار أشد العاملين على مدام "رولاند" وقتلها حتى قال "لامرتين" الشهير في صدد ذلك: "لا شك أن مدام "رولاند" ذكرت في سجنها الليلة التي خلصت حياة "روبس بير" فيها فإن كان هو أيضاً ذكرها وهو في أعلى مجده وقوته فلا ريب أن ذكرها له كان عليه أشكى من وقوع السهام"· ولا يخفى ما ألم بحزب الجيروندين بعد ذلك وما كان نصيبهم من الثورة ففي ٣١ أيار سنة ١٧٩٣م، أودعت مدام "رولاند" السجن فصبرت على مشاقه كما صبرت وثبتت على الأهوال، ورتبت أحوال معيشتها فيه جاعلة لكل ساعة من النهار شغلا خصوصيا فعنيت وقتا لدرس اللغة الإنكليزية وآخر لإنشاء مقالات سياسية وآخر للتصوير، وجعلت معظم همها تشجيع قلوب المسجونين ومساعدتهم بما كان يغض عن حاجاتها من المال· وفي تشرين الثاني (أكتوبر) حكم عليها بالقتل فسيقت للذبح مكتوفة اليدين وعلامات الشجاعة تلوح على وجهها، فلما صارت بمرأى من تمثال الحرية وكان منصوبا حيث المسلة المصرية اليوم التفتت إليه وقالت: أيتها الحرية كم من ذنب يرتكبه الناس باسمك اليوم أيتها الحرية انظري كيف يتلاعبون باسمك· ويقال: إنها طلبت قلما وقرطاسا لتخط ما جال في خاطرها وهي أمام الجلاد فلم تعطهما وضربت عنقها وهي في التاسعة والثلاثين من عمرها فكان موتها سبب انتحار زوجها كما عرف من ورقة وجدت في جيبه بعد موته وقد كتب عليها لم يعد لي صبر على البقاء بعد موت امرأتي في عالم ملوث بالآثام·
[رحمة زوجة نبي الله أيوب عليه السلام]
هي بنت أفرايم بن يوسف بن يعقوب عليهما السلام· كانت من النساء الصالحات، الطائعات لأزواجهن، وقد اتصفت من دون النساء بالصبر الجميل على بلاء زوجها أيوب عليه السلام حيث لم يبق له مال ولا ولد ولا صديق، ولا أحد يقر به غيرها فإنها صبرت معه على مضض ذام البلاء الشديد وكانت تسأل وتأتيه بطعام وشراب ويبيتان يحمدان الله سبحانه وتعالى ويرجوان منه عفوا على ما نالهما من البلاء، فلما كانت في بعض الأيام وهي تسأل كعادتها إذ تمثل لها إبليس في صورة رجل فقال لها: زين بعلك يا أمة الله؟ فقالت: هو ذاك يحك قروحه، وتردد الديدان في جسده· فلما سمع منها طمع أن تكون كلمة جزع فوسوس لها وذكرها ما كانت فيه من النعيم والمال، وذكرها جمال أيوب وشبابه وما هو فيه اليوم من الضر وإن ذلك لا ينقطع عنه أبدا فصرخت، فلما صرخت علم أنها قد جزعت فأتى بسخلة وقال لها: ليذبح أيوب هذه لي وسيبرأ، فجاءت تصرخ وقالت: يا أيوب إلى متى يعذبك ربك ولا يرحمك أين المال؟ أين الماشية؟ أين الولد؟ أين الصديق؟ أين ثوبك الحسر قد تغير وصار مثل الرماد؟ وأين جسمك الحسن الذي قد بلي يتردد فيه الدود؟ اذبح هذه السلخة واسترح·
فقال لها أيوب: أتاك عدو الله فنفخ فيك فأجبته، أرأيت ما تبكين عليه مما كنا فهي من المال والولد والصحة من أنعم علينا به؟ قالت: الله· قال: فكم متعنا به؟ قالت: ثمانين سنة· قال: فمنذ كم ابتلانا الله؟ قالت: منذ سبع سنين· قال: ويلك والله ما عدلت ولا أنصفت ربك· ألا صبرت في هذا البلاء الذي ابتلانا به ربنا كما كنا في الرخاء، والله لئن شفاني الله لأجلدنك مائة جلدة كما أمرتيني أن أذبح لغير الله طعامك