قضت أسعد أيام حياتها وأظهرت مناقب المرأة الكاملة، فرتبت بيتها على أحسن منوال، وعكفت على تربية ابنتها وتعليمها بنفسها، وكانت إذا انتقلت إلى مصيف زوجها (في لبلاتبيه) تخصص جانبا من وقتها لزيارة المرضى والمساكين المجاورين لها وتعالجهم بنفسها لعدك وجود طبيب يعالجهم، فأحبوها محبة تفوق الوصف واشتهرت بينهم بالفضائل والفواضل· ولها على زوجها الفضل الأعظم· قال أحد أصحابه: لا أرى بين المحدثين من يشابه كانون الرماني في أكثر من "رولاند"· والحق أن يقال: "رولاند" مديون لامرأته بشجاعته ومعارفه فإنها كانت متخذة أفكاره ومعنية بأعماله وكثيرا ما كانت تصلح كتاباته وتقوم براهينه بغزارة معارفها، وقوة بيانها، واتقاد تصوراتها حتى طار صيته في بلاغة الإنشاء وقوة الكتابة· ولما بلغها نبأ الثورة الفرنسوية تلقته بالترحاب زعما منها أن الثورة أقرب طريق لسعادة فرنسا وأحسن بشرى بتبديل أحوال هاتيك الأيام بأحسن منها، فبذلت كل قواها في تحريك الخواطر إليها فلم يمض طويل الزمان حتى أضرمت نار الغيرة والحماسة في قلوب أهل وطنها وحركت زوجها وأصحابها فأداروا دولاب الثورة بمدينتهم "ليون" وعلقت آمال الشعب"دولاند" وامرأته بخلع غل الظلم عن أعناقهم، فوقف لهما جماعة من الأشراف بالمرصاد ووضعوا عليهما العيون، فما ثناهما ذلك عن عزمهما وزاد الناس حبا في "رولاند" فاختاروه نائبا عن مدينة "ليون" في مجمع الأمة الذي استدعاه "لويس السادس عشر" في بادئ الثورة فتوجه هو وامرأته في ٢٠ شباط (فبراير) سنة ١٧٩١م، إلى باريس وكتبت مدام "رولاند" مقالة في أحوال تلك الأيام كان لها وقع عظيم· وفي آذار (مارس) سنة ١٧٩٢م، انتخب زوجها وزيراً لداخلية وأعد لسكنه قصرا مفروشا مشيدا بالأثاث الفاخر ومزينا بالزينة البهية فدخلته مدام "رولاند" وكأنها خلقت له، ولم يبن إلا لها، ثم لما طلب من زوجها أن يشير على الملك بإعلان الحرب على المهاجرين وحلفائهم كتبت باسمه كتابا للملك قوي الحجة، عظيم التأثير حتى دهش زوجها من جراءتها وقوة أدلتها، ولكن كانت نتيجته خلع "رولاند" عن وظيفته ولذلك أشارت امرأته عليه أن يعرض كتابه على المجمع لتعلم الأمة سبب خلعه، ففعل، فعد ضحية لحب الوطن ثم طبع الكتاب ووزع نسخا عديدة في كل أنحاء المملكة، فهاجت الأمة بأجمعها حتى التزم الملك أن يرجعه إلى منصبه، فكانت زوجته سبب خلعه ثم نصبه ثانيا·
واتفق أم الجاكويين اجتهدوا أيام كانت العائة الملكية في السجن أن يهيجوا الشعب لينتقموا من مدام"رولاند" بدعوى أن لها دخلا في المكيدة التي كان يقصد بها تخليص الملك وإرجاعه إلى عرش الملك وتكلف بإتمام ذلك رجل لئيم يسمى "أشيل فيارد" لأظهر حزم "الجيرونديين" وهو يقصد باطنا أن يتجسس أعمالهم ويدبر على مدام"رولاند" مكيدة فكان حذراً حذرها منه فأوجست منه خيفة وأبعدته عنها احتقارا واستصغارا ومع ذلك فقد نجح باتهامها أمامك الجمع أنه كان بينها وبين أصحاب النفوذ في فرنسا وغيرها مراسلة سرية واتفاق على إنفاذ الملك فاستدعاها ديوان "الكونقاتسيون" لمرافعة خصمها والمدافعة عن نفسها فدخلت المحفل وكان غاصا بالجماهير وهم يحتدمون غيظا، وقد علا لغطهم، فلما جلست سكتت الضوضاء وأحدقت بها الأنظار، فدافعت عن نفسها وعن أصحابها دفاع أهل الحق والشيمة والشهامة، فبرأت نفسها وتلعثم لسان خصمها عن الكلام فرجع بصفقة خاسرة وأشار الرئىس أن يظهر الأعضاء علامات اعتبارهم لها، فهنأها الجميع وصفقوا لها استحسانا، وكان ذلك أمر من العلقم على أعدائها "