فانتقلت أملاكه كلها إلى بكره بحسب شريعة البلاد, فاضطرت أن تسعى لنفسها في طلب رزقها وكان لها أخت أصغر منها تعلمت فن التصوير وأرادت أن تتقنه في مدينة رومية -أم المصورين ومرضعتهم- فذهبتا إليها سوية, وتعرفت هناك "بهربت هوسمر" النحات الأميركي وكان نزيلاً في رومية, وعنده كثير من جياد الخيل, فجعلت تركبها وتروضها حتى ذاع صيتها في بلاد إيطاليا. ولما مضى عليها سنتان في رومية قصدت مدينة فلورنسا, وكانت كرسي ملوك إيطاليا فدعاها الملك "فكتور عمانوئيل" إليه ورحب بها وأجلسها بجانبه وجعل يحدثها بأمر الخيل فرآها من أعرف الناس بها فأقامها مديرة على الاصطبلات الملكية وبقيت في هذا المنصب العالي سنين كثيرة, وكانت تذهب إلى إنكلترا وإيرلندا من وقت إلى آخر لتبتاع له الجياد, وأهداها نجماً من الماس وساعة من الذهب عليها اسمه بحجارة الماس لما رآه فيها من الهمة والاجتهاد.
وسنة ١٨٦٩ م قصدت الولايات المتحدة الأميركية ومعها مكاتيب التوصية من سفير الولايات المتحدة في إيطاليا إلى رجل من أخصائه فوجدت أن الرجل مات فجأة قبل وصولها فسقط في يدها ولم تعلم ماذا تعمل وعرض عليها مدير جريدة التمس التي تطبع في مدينة نيويورك أن تنشئ له ما يكتب في جريدته عن الخيول وأخبارها فترددت في قبول ذلك, ولما لم تجد عملاً آخر يقوم بمعيشتها قبلته, وجعلت تتردد على أسواق الخيل وميادينها وتكتب فيها الفصول الضافية وتصدت لها بقية الجرائد في أول الأمر وسلقتها بألسنة حداد ولكنها عادت فأثنت عليها بما هي أهله لما رأت من بلاغة إنشائها وسمو مدراكها, ولين عريكتها, وواسع خبرتها وأقامت في هذا المنصب أكثر من عشرين سنة, وكانت تكاتب كثيراً من الجرائد العلمية والأدبية واشتهرت ببلاغة الإنشاء وقوة الحجة وكانت ثقة قومها في معرفة الخيول وزارت أوروبا مراراً عديدة وأختها المصورة برفقتها ومنذ عهد غير بعد أخذت تبني داراً كبيرة وكانت تدفع نفقات البناء من المال الذي أحرزته بقلمها وأختها تعتني بنقش الدار وتزويقها ولكن عاجلتها المنية قبل أن تكسنها وهي في الرابعة والستين من عمرها وقد كتبت على جبين الدهر: (لبس دون الرجال النساء) .
[ماري جان غومرد دوفويريني]
"كونتس باري" خليلة "لويس الخامس عشر" ولدت في فوكولور من "شمانيا" سنة ١٧٤٦ م وقتلت في باريس سنة ١٧٩٣ م كانت بنت خياطة واستخدمت في مخزن بباريس تباع فيه ملابس الرأس, وكانت ذات جمال بارع سلبت فيه قلوب كثيرين من باريس, ومن ضمن من تعلقوا بها الكونت جان دوباري فأوغر إلى بعض خدمه أن يصفها للملك ويذكر له محاسنها ودلالها محاولاً بذلك بلوغ المناصب العالية وجمع ثروة وافرة.
فلما نمى خبرها إلى لويس الخامس عشر زوجها بأخي الكونت -المذكور- ثم فتح لها أبواب البلاط الملكي فكانت تدخله كالخواتين الكريمات وسرى حبها في عروق الملك, فتمكن فيها ولم يعتره فتور مدة حياته بطولها أما ما أنفق عليها من خزينة فرنسا فبلغ أكثر من خمسة وثلاثين مليون فرنك أمدت بجانب منها أقرباءها وأصدقاءها, وتصدقت بجانب آخر على الفقراء كفارة عن إثمها, وكانت تتداخل في مصالح الدولة فحصل لها أهمية كبرى, وهي التي حملت الملك على نفي دوق "سوازول" كبير وزرائه لأنه كان أشد أعدائها وبعثته أيضاً على فض المجلس العالي الذي التأم سنة ١٧٧١ م وإبعاد أعضائه غير أن للزمان نكبات فلم يسلم منها من سلك مسلك الغرور.
فلما توفي الملك نفاها "لويس السادس عشر" من بلاطه غير أنه