فلما رأين الرأس صحن فصاحت نساء يزيد وولولت بنات معاوية فقالت فاطمة وكانت أكبر من سكينة بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا يزيد؟ فقال: يا ابنة أخي أنا لهذا كنت كارها. قالت: والله ما ترك لنا خرص. فقال: ما أتي إليكن أعظم مما أخذ منكن. فقام رجل من أهل الشام فقال: هب لي هذه -يعني فاطمة بنت الحسين- فأخذت فاطمة ثياب زينب وصرخت فقالت زينب: "كذبت ولؤمت ما ذلك لك ولا له" فغضب يزيد وقال: والله إن ذلك لي ولو شئت أن أفعله لفعلته قالت: "كلا والله ما جعل الله لم إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا". فغضب يزيد واستطار ثم قال: إياي تستقبلين بهذا إنما خرج من الدين أبوك وأخوك. قالت زينب: "بدين الله ودين أبي وأخي وجدي اهتديت أنت وأبوك وجدك". قال: كذبت يا عدوة الله قاتل: "أنت أمير تشتم ظلما وتقهر بسلطانك". فاستحى وسكت.
وعلى اختلاف الروايات أن للسيدة زينب -رضي الله عنها- مقامين أحدهما: بدمشق وهو مقصود من كل الجهات خصوصا من أهل الشيعة. والثاني: بمصر وهو أشهر من الأول. ولها أوقاف وإيراد عموم الأوقاف المصرية، ولها مسجد في مصر لم يوجد مثله قد ذكر أوصافه الأمير علي باشا مبارك في خططه المسماة بالخطط التوقيفية. ولكون أوصافه جاءت مسهبة اقتصرنا عنها منوهين على محل وجودها.
[زينب ابنة الطثرية]
هي زينب بنت سلمة بن مرة من بين عامر بن صعصعة. والطثرية أمها قتل أخوها يزيد بن الطثرية الشاعر المشهور في خلافة بني العباس سنة ١٢٦ هجرية الموافقة لسنة ٧٤٤ ميلادية قتله بنو حنيفة فقالت أخته ترثيه:
أرى الأثل من وادي العقيق مجاوري ... مقيما وقد غالت يزيد غوائله
فتى قد قد السيف لا متضائل ... ولا رهل لباته وأباجله
فتى لا ترى قد القميص بخصره ولكنه يوهي القميص مواهله
فتى ليس لابن العم كالذئب إن رأى ... بصاحبه يوما دما فهو آكله
يسرك مظلوما ويرضيك ظالما ... وكل الذي حملته فهو حامله
إذا نزل الأضياف كان عزورا ... على الحي حتى تستقل مراجله
مضى وورثنا منه درعا مفاضه ... وأبيض هنديا طويلا حمائله
وقد كان يرمى المشرفي بكفه ... ويبلغ أقصى حجرة الحي نائله
كريم إذا لاقيته مبتسما ... وإما تولى أشعث الرأس جافله
إذا القوم أموا بيته فهو عامد ... لأحسن ما ظنوا به فهو فاعله
ترى جاذرية يرعدان وناره ... عليها عدا ميل الهشيم وحامله
يجران ثنيا خيرها عظم جاره ... بصيرا بها لم تعد عنها مشاغله
وكانت زينب ذات جمال وأدب وكمال، شاعرة مشهورة مطبوعة على الشعر والفضل والأدب، متجملة بالفصاحة التي هي حلية العرب، ولها مراث كثيرة في أخيها لم نعثر عليها الآن.
زينب ابنة أبي القاسم الشهيرة بأم المؤيد عبد الرحمن