ثم السلام علينا في مضاجعنا ... حتى نعود إلى ميزان منشينا
وبلغها حينما كانت مائلة إلى بنان أن سعيداً عشق جارية من جواري القيان فكتبت إليه:
يا عالي السن سيئ الأدب ... شبت وأنت الغلام في الطرب
ويحك إن القيان كالشوك ال ... منصوب بين الغرور والعطب
لا يتصدين للفقير ولا ... يطلبن إلا معادن الذهب
بينا تشكي هواك إذ عدلت ... عن زفرات الشكوى إلى الطلب
تلحظ هذا وذا وذاك وذي ... لحظ محب وفعل مكتئب
وافتصد سعيد بن حميد يوماً فقالت فضل لعريب: وهل لك أن نذهب فنزور سعيداً؟ قالت لها: فلا مانع من ذلك وأرسلت إليه قبل زيارتها هدايا منها ألف جدي وجمل وألف دجاجة فائقة, وألف طبق ريحان وفاكهة ومع ذلك طيب كثير وشراب وتحف حسان فكتب إليها سعيد: وإن سروري لا يتم إلا بحضورك فجاءته في آخر النهار وجلست معه على الشراب وغنتهم عريب بما لزم.
فبينما هم كذلك وإذا بالغلام يستأذن لبنان فإذن له فدخل إليهم وإذا هو شاب طرير حسن الوجه حسن الغناء نظيف الثياب شكل فذهب بفضل كل مذهب, فأقبلت عليه بحديثها ونظرها فتنمر سعيد واستطير غضباً وتبين بنان القصة فانصرف وأقبل عليها سعيد يعذلها ويؤنبها ساعة, ثم أمسك فقالت منشدة:
يا من أطلت تفرسي ... في وجهه وتنفسي
أفديك من متدلل ... يزهو بقتل الأنفس
هبني أسأت وما أسأ ... ت بلى أقول أنا المسي
أحلفتني أن لا أسا ... رق نظرة في مجلسي
فنظرت نظرة مخطئ ... أتبعتها بتفرس
ونسيت أني قد حلفت ... فما عقوبة من نسي
فقام سعيد وقبل رأسها وقال: لا عقوبة عليه بل نحتمل هفوته ونتجافى عن إساءته, وغنت عريب في هذا الشعر وشربوا عليه بقية يومهم, ثم افترقوا وأثر بنان في قلبها وعلقت به ثم لم تزل حتى واصلته وقطعت سعيداً.
وكان إبراهيم بن المهدي يقول: إن فضل كانت من أحسن خلق الله خطاً وأفصحهم كلاماً, وأبلغهم في مخاطبة, وأثبتهم في محاورة فقال يوماً لسعيد بن حميد: أظنك يا أبا عثمان تكتب لفضل رقاعها وتجيدها وتخرجها فقد أخذت نحوك في الكلام وسلكت سبيلك فقال له وهو يضحك: ما أخيب ظنك ليتها تسلم مني لآخذ كلامها ورسائلها, والله يا أخي لو أخذ أفاضل الكتاب وما ماثلهم عنها لما استغنوا عن ذلك, انتهى.
[فضة النوبية]
هي جارية السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت من النساء العاقلات الصادقات وقد اشتهرت بالفضيلة. وقيل" عن أبي العباس في قوله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) [الإنسان: ٧-٨] قال: مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما صلى الله عليه وسلم وعادهما عامة العرب فقالوا: يا أبا الحسن, لو نذرت على ولدك نذراً.
فقال علي: