يعرف سكانه من النساء بالخير وله دائما شيخة تعظ النساء وتذكرهن وتفقههن، وآخر من أدركنا فهي الشيخة الصالحة سيدة نساء زمانها زينب بنت فاطمة بنت عباس البغدادية، توفيت سنة ٧١٤ هـ في ذي الحجة، وقد أنافت على الثمانين وكانت فقيهة، وافرة العلم، زاهدة، قانعة باليسير، عابدة، واعظة حريصة على النفع والتذكير ذات إخلاص وخشية وأمر بالمعروف.
انتفع بها كثر من نساء دمشق ومصر وكان لها قبول زائد ووقع في النفوس وصار بعد كل من قام بمشيخة هذا الرباط من النساء يقال لها البغدادية أقامت به عدة سنين على أحسن طريقة إلى أن ماتت يوم السبت لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ٧٩٦ هـ، وأدركنا هذا الرباط وتودع فيه النساء اللاتي طلقن أو هجرن حتى يتزوجن أو يرجعن إلى أزواجهن صيانة لهن لما كان فيه من شدة الضبط وغاية الاحتراز والمواظبة على وظائف العبادات.
ثم لما فسدت الأحوال في عهد حدوث المحن بعد سنة ٨٠٦ هـ تلاشت أمور هذا الرباط ومنع مجاوروه من إقامة النساء المتعبدات فيه، وهذا الرباط قد زال بالكلية وبني في محله الآن الحوانيت المتسعة على باب الدرب الأصفر.
[تركان خاتون الجلالية ابنة طغفاج خان من نسل فراسياب التركي]
هي زوجة السلطان "ملكشاه" ووالدة السلطان "محمود بن ملكشاه" كانت من النساء العاقلات الدينات والحكيمات المدبرات. شهدت لها التواريخ وألسنة الأقلام بالحكمة والتدبير وعلو الهمة والإقدام، وكانت مطاعة في أوامرها، مسموعة الكلمة عند أمراء المملكة، محبوبة لديهم.
وكانت تبذل لهم العطايا والإقطاعات وكان زوجها لا يرد لها طلبا وهي المالكة والمشاركة له في الملك، وكانت من حسن سياستها وتدبيرها، توصلت لأن تصاهر الخليفة المقتدي بأمر الله العباسي، وذلك من كثرة ترددها على حريم الخلافة ومعها ابنتها "خاتون" وهي كانت من الجمال على جانب عظيم وصفوها للمقتدي فأحبها على الوصف وأرد الاقتران بها، فأرسل الوزير فخر الدولة أبا نصر بن جهير إلى السلطان يخطب منه ابنته للخليفة فقال له: إن ذلك مما يزيدني شرفا، ولكن الأمر في ذلك إلى والدتها "تركان خاتونه" فيجب أن تذهب إليها.
وأمر نظام الملك أن يمضي معه إلى "تركان خاتون" ويتكلم معها في هذا المعنى فمضيا إليها فخاطبها فقالت: إن ملك غزنة وملوك الخانية، وما وراء النهر طلبوها وخطبوها لأولادهم وبذلوا أربعمائة ألف دينار فلم أرض، فإن حمل الخليفة هذا المال فهو أحق منهم، فبلغ الخبر "أرسلان" والدة الخليفة فتأثرت من ذلك وأرسلت إلى "تركان خاتون" تقول: إن ما يحصل لها من الشرف والفخر بالاتصال بالخليفة لم يحصل لأحد غيرها وكلهم عبيده وخدمه، ومثل الخليفة لا يطلب منه مال فأجابت إلى ذلك وشرطت أن يكون الحمل المعجل خمسين ألف دينار وأنه لا يبقى له سرية ولا زوجة غيرها ولا يكون مبيته إلا عندها، فأجيبت إلى ذلك، فأعطى السلطان يده فعاد فخر الدولة إلى بغداد.
وفي محرم نقل جهازها إلى دار الخليفة على مائة وثلاثين جملا مجللة بالديباج الرومي وكان أكثر الأحمال من الذهب والفضة وثلاث عماريات وعلى أربعة وستين بغلا مجللة بأنواع الديباج الملكي وأجراسها وقلائدها من الذهب والفضة، وكان على ستة منها اثنا عشر صندوقا من فضة لا يقدر ما فيها من الجواهر والحلي، وبين يدي البغال ثلاث وثلاثون فرسا من الخيل الرائعة، عليها مراكب الذهب مرصعة بأنواع الجواهر ومن عظيم