كرمت مثواهما إحدى النساء الإنكليزيات ولم يذهب سعيهما في بلاد أمريكا هباء منثوراً فإنه لا يرى الإنسان في الولايات المتحدة بالقارة المذكورة محلاً من المحلات إلا وجدت المرأة فيه بجانب الرجل تؤدي الأعمال كما يؤديها هو, وتحقق من أن حقوقها صارت مرعية فهي لا تمنع من اكتساب ما يقوم بمعاشها ومعاش آويها من أي عمل رضيت به فهذه هي النساء, وهذا هو الفخر إذ أن امرأة تعجز عن أعمالها الرجال في بلاد مثل أمريكا.
[قيدر ابنة مينوس الكريني]
هي حليلة "ثيزى" ملك أثينا هامت أثناء تغيب زوجها بابنه "أبيوليت" المولد من زوجته الأولى "أثيوبا" ملكة الأمازون, وكان جميلاً فتاناً, ولما تمادى بها الوجد والألم وابتلاها الكتمان بالسقم باحت بما تجده من حر الجوى وبرحاء الهوى إلى أمينة سرها "أوتون", أما "أبيوليت" فكان مفتوناً بحب "أديسيا" سجينة أبيه ذات النسب الملكي التي كانت أيضاً كلفت به دون أن يعلم كل بماله في قلب الآخر فكانوا يمثلون سلسلة عشاق ومعاشيق, ولكن تحت طي الستر والخفاء مخافة الافتضاح إذا قدر الجفاء.
جننا بليلى وهي جنت بغيرنا ... وأخرى بنا مجنونة لا نريدها
فلما أرجف بموت "ثيزى" زينت "أوتون" ل "فيدر" مطارحة "أبيوليت" أحاديث الوجد وأطماعه [في إرث] العرش بالنيابة عن ابنها الطفل الذي كانت الأمة تتردد في الاختيار بينه وبين "أديسيا" تلك التي استبشرت بالفكاك من الأسير حال, إيقافها "أبيوليت" على دخيلة الأمر بعد إذ كانت يئست من الخلاص, وتلا عليها لسان الحال ذوقي عذاب ربك لات حين مناص, فعالنتاه كلتاهما بحديث وجد مقيم معقد بلسان أغن ينشد:
أرى في فؤادي لوعة الحب لا تهدا ... أهذا الذي سماه أهل الهوى وجدا
قال "أديسيا" عقدي وداد وولاء ورمى "فيدر" بسهمي نفرة وجفاء, ولم يمض إلا مثل حسوة طائر, أو لهنة مسافر حتى قيل: عاد "ثيزى" حياً فسقط في يدي "فيدر" وقالت: ويلاه, لقد جئت شياً فرياً, ثم عضت بنانها الخضيب بثنايا الندامة وفوقت إلى قيمتها "أوتون" نبال التقريع والملامة, ولكن كان قد سبق السيف العذل, فلجأت إلى الغدر والختل حتى إذا حل زوجها الصرح قابلته بوجه باسر, ودمع ماطر, وخرطوم كمخلب كاسر وقالت بصوت يقصف كالهذيم: ما جزاء من أراد بأهلك سوء إلا أن يسجن أو عذاب أليم إن "أبيوليت" رماني لاقتناص عن قوس احتياله بحربات نافذات كادت تفري عرضاً وفرو تثلم سد المأرب.
وفب رواية إن ذلك كان بلسان "أوتون" ليتم الدست على "ثيزى" المغبون فانطلقت عليه زخارفها وجهر في مجاهل مخارفها, فنشبت برجله الحبالة, ولم يدر أن عرسه أروغ من ثعالة, ففار على ابنه غيظاً كما يفور المرجل ولعنه وهو يحرق عليه الأرم قائلاً: امض إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم, ثم توسل إلى مبعود البحر نبتون أن يهلك ابنه الخؤن, فمضى "أبيوليت" في رهط من حاشيته أسيفاً حزيناً قاصداً مدينة "مسينة"
وكان أوعز إلى "أريسيا" أن تلحق به ليشهد المعبودات على اقترانهما وليقطعا غابر العمر في حجر بعضهما فبينما هو سائر على شاطئ البحر إذا بالأمواج علت كالشواهق, ثم هوت متكسرة كأنما رميت بجلاهق, فبان من تحتها تنين أقشر هائل المنظر أجش الصوت تنوب أنيابه عن ملك الموت, ففر القوم هلعاً متوارين عن الأبصار إلا "أبيوليت" فإنه قابله بقلب من فولاذ, وصدر كأنه تيار, ورمى فؤاده بحربة هي للأرواح أحرق