وهي زهراء مثل لؤلؤة الغواص ... ميزت من جوهر مكنون
وإذا ما نسبتها لم تجدها ... في سناء من المكارم دون
ثم خاصرتها إلى القبة الخض ... راء تمشي في مرمر مسنون
قبة من مراجل ضربوها ... عند برد الشتاء في قيطون
عن يساري إذا دخلت من البا ... ب وإن كنت خارجا عن يميني
ولقد قلت إن تطاول سقمي ... وتقلبت ليلتي في فنون
ليت شعري أمن هوى طار نومي ... أم براني الباري قصير الجفون
ففشا هذا الشعر حتى بلغ معاوية فصبر حتى إذا كان يوم الجمعة دخل عليه الناس يسلمون وينصرفون، وكان فيهم وهب، فلما أزمع الرجوع ناداه معاوية حتى إذا خلا لهما الجو قال: ما كنت أحسب أن في قريش أشعر منك تقول:
ليت شعري أمن هوى طار نومي ... أم براني الباري قصير الجفون
غير أنك قلت:
وإنا ما نسبتها لم تجدها ... في سناء من المكارم دون
والله إن فتاة أبوها معاوية وجدها أبو سفيان وجدتها هند بنت عتبة لكما ذكرت وأي شيء زدت في قدرها ولقد أسأت بقولك، ثم خاصرتها فقال: والله لم أقل هذا، وإنما قيل عن لساني فقال معاوية: أما مني فليهدأ روعك لني عليم بعفاف فتاتي، وإنه مغتفر لفتيان الشعراء التشبيب بمن أرادوا، ولكني أكره لك جوار أخيها يزيد فإن له سورة الشباب وأنفة الملوك، فحذر وهب ورحل إلى مكة، فبينما معاوية في مجلسه يوما ذا بخصي يقول له: لقد سقط يا أمير المؤمنين إلى عاتكة اليوم كتاب أبكتها تلاوته بما أصارها حتى الساعة حزينة فقال: علي به، يألطف حيلة، فلما أوتيه قرأ فيه:
أعاتك هلا إذ بخلت فلا ترى ... لذي صبوة زلفى لديك ولا يرقى
رددت فؤادا قد تولى به الهوى ... وسكنت عينا لا تمل ولا ترفا
ولكن خلعت القلب بالوعد والمنى ... ولم أر يوما منك جودا ولا صدقا
أتنسين أيامي بربعك مدنفا ... صريعا بأرض الشأم ذا سقم ملقى
وليس صديق يرتضي لوصية ... وأدعو لدائي باشراب فما أسقى
وأكبر همي أن أرى لك مرسلا ... فطول نهاري جالسا أرقب الطرقا
فوا كبدي إذ ليس لي منك مجلس ... فأشكو الذي بي من هواك وما ألقى
رأيتك تزدادين للصب غلظة ... ويزداد قلبي كل يوم لكم عشقا
فبعث إلى يزيد فلما جاء وجده مطرقا كئيبا فاستجلاه الأمر فقال: هو نبأ يقلق فيمرض فيحير إن هذا الفاسق القرشي كتب إلى أختك بهذه الأبيات، فلم تزل باكية حتى الساعة. قال يزيد الخطب دون ما تتوهم بعد لنا يرصده ويقتله فقال معاوية: يا يزيد، والله إن تقتل قرشيا هذا حاله صدق الناس مقاله. قال: يا أمير المؤمنين، إنه نظم أبياتا غير هذه وتناشدها المكيون، فسارت حتى بلغتني فأوجعتني وحملتني على ما أشرت. فقال: وما هي؟ فأنشد: