وما يتعلق بها وبغيرها مما يسرها وينفعها غير أنها بعد تلك الكرامة والعزة والأبهة أصبحت بعد موت الرشيد في حالة سيئة من الكآبة والذل وخفض الجناح، وذلك لما وقع بين الأمين والمأمون من الفتن ولاسيما بعدما قتل ولدها الأمين في تلك الأثناء، وقد كتبت للمأمون بأبيات ترثي بها سوء حالها بعد فقد ولدها وهي:
لخير إمام قام من خير عنصر ... وأفضل سام فوق أعواد منبر
لوارث علم الأولين وفهمهم ... وللملك المأمون من أم جعفر
كتبت وعيني مستهل دموعها ... إليك ابن عمي من جفون ومحجر
وقد مسني ضير وذل كآبة ... وأرق عيني يا ابن عمي تفكري
وهمت لما لاقيت قد مصابه ... فأمري عظيم منكر عند منكر
سأشكو الذي لاقيته بعد فقده ... إليك شكاة المتضير المقهر
وأرجو لما قد مر بي فقده ... فأنت لبيتي خير رب معمر
أتى طاهر لا طهر الله طاهرا ... فما طاهر فيما أتى بمطهر
وذلك لأن طاهر بن الحسين هو الذي قام بحرب الأمين وكان السبب في قتله:
فأخرجني مكشوفة الوجه حاسرا ... وأنهب أموالي وأخرب أدوري
يعز على هارون ما قد لقيته ... وما مر بي من ناقص الخلق أعور
فإن كان ما أبدى بأمر أمرته ... صبرت لأمر من قدير مقدر
تذكر أمير المؤمنين قرابتي ... فديتك من ذي حرمة متذكر
وقالت زبيدة أم جعفر ترثي ولها الأمين:
أودي بألفين من لم يترك الناسا ... فامنح فؤادك عن مقتولك الياسا
لما رأيت المنايا قد قصدن له ... أصبن منه سواد القلب والراسا
فبت متكئا أرعى النجوم له ... أخال سنته بالليل قرطاسا
والموت كان به والهم قارنه ... حتى سقاه التي أودى بها الكاسا
رزئته حين باهيت الرجال به ... وقد بنيت به للدهر أساسا
فليس من مات مردودا لنا أبدا ... حتى يرد علينا قبله ناسا
فلما قرأها المأمون بكى وقال: أنا الطالب بثأر أخي قتل الله قتلته، ثم إن المأمون عطف على زبيدة فجعل لها مكانا في قصر الخلافة وأقام لها الوظائف والخدم والجواري، وكانت حاضرة عند دخوله الغرفة التي زفت إليه بها بوران بنت الحسن، وطلبت لها بوران منه الإذن بالحج فأجابها إلى طلبها، وألبست بوران بيدها قسما من ملابسها· وأما ححجتها المشهورة فقيل: أنفقت فيها في بناء المساجد والصدقات ألف ألف وسبعمائة ألف دينار، وأجرت الماء من دجلة إلى عرفات، ثم إلى مكة حتى سقت أهلها -كما مر- وهذه مبالغة عظيمة فالماء الذي أجرته إلى مكة ليس من دجلة قيل: وأجرت نبع العرعار من جبل لبنان إلى بيروت حتى وصل إلى وادي المكلس فبنوا له طبقات فناطر حتى جرى الماء فوقها إلى جانبه الآخر وتطرق إلى بيروت لأنها كانت قد مرت من هناك في حجتها -المذكورة- فوجدت الماء قليلا وإلى الآن يقال لهذه القناطر: قناطر زبيدة