الخليفة إلى "خاتون" بذلك امتنعت من قبوله فقيل لها: إن ولدك صغير ولا يجيز الشرع ولايته، وكان مخاطبها الغراني، فأذعنت له وأجابته إليه ولقب ناصر الدنيا والدين وأرسلت "تركان خاتون" إلى أصبهان في القبض على "بركيارق" أكبر أولاد السلطان خيفة أن ينازع ولدها في السلطنة، فقبض عليه، فلما ظهر موت "ملكشاه" وثبت المماليك النظامية على سلاح كان لنظام الملك بأصبهان فأخذوه وساروا من البلد وأخرجوا "بركيارق" من الحبس وملكوه بأصبهان وكانت والدته زبيدة بنت ياقوتي بنت عم "ملكشاه" خائفة على ولدها من "تركان خاتون" أم محمود فأتاها الفرج بالمماليك النظامية وسارت "تركان خاتون" من بغداد إلى أصبهان فطالب العسكر تاج الملك بالأموال فوعدهم، لما وصلوا إلى قلعة برجين صعد إليها لينزل الأموال منها، فلما استقر فيها عصى على "تركان خاتون" ولم ينزل خوفا من العسكر فساروا عنه ونهبوا خزائنه فلم يجدوا شيء، ولما وصلت "تركان خاتون" إلى أصبهان لحقها تاج الملك واعتذر لها بأن مستحفظ القلعة حبسه وأنه هرب منه إليها، فقبلت عذره.
واما "بركيارق" فإنه لما قاربت "تركان خاتون" وابنها محمود أصبهان خرج منها هو ومن معه من النظامية وساروا نحو الري فلقيهم "أرغش" النظامي في عساكره وصاروا يدا واحدة، فلما اجتمعوا حاصروا قلعة "طبرق" وأخذوها عنوة، وسيرت "تركان خاتون" العساكر إلى قتال "بركيارق" فالتقى العسكران بالقرب من "بروجرد"، فاجتاز جماعة من الأمراء والذين في عسكر "خاتون" إلى "بركيارق" منهم الأمير "يلبرد": و"كمشتكين الجاندار" وغيرهما فقوى بهم وجرى الحرب بينهم، وآخر ذي الحجة اشتد القتال فانهزم عسكر "خاتون" وعادوا إلى أصبهان وصار "بركيارق" في أثرهم فحصرها بأصبهان.
وكان تاج الملك في عسكر "خاتون وشهد الوقعة، فهرب إلى نواحي "بروجرد" فأخذ وحمل إلى عسكر "بركيارق" وهو يحاصر أصبهان، وكان يعرف كفاءته، فأراد أن يستوزره، فشرع تاج الملك في إصلاح كبار النظامية وفرق فيهم مائتي ألف دينار سوى العروض فزال ما في قلوبهم، فلما بلغ عثمان نائب نظام الملك الخبر ساءه، فوضع الغلمان الأصاغر على الاستغاثة وأن لا يقنعوا إلا بقتل قاتل صاحبهم ففعلوا فانفسخ ما دبره تاج الملك وهجم النظامية عليه فقتلوه، وفصلوه أجزاء وكان كثير الفضائل جم المناقب، وإنما غطى جميع محاسنه ممالاته على قتل نظام الملك، وهو الذي بنى تربة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وعلم المدرسة التي إلى جانبها، ورتب بها الشيخ أبا بكر الشاشي، وكان عمره حين قتل سبعا وأربعين سنة.
وفي شعبان سنة ٤٨٦ أرسلت "تركان خاتون" إلى إسماعيل بن ياقوتي بن داود خال "بركيارق" وابن عم "ملكشاه" تطمعه أن تتزوج به وتدعوه إلى محاربة "بركيارق"، فأجابها إلى ذلك وجمع خلقا كثيرا من التركمان وغيرهم أصحاب "سرهنك ساوتكين" في خيله، وأرسلت إليه "تركان خاتون" "كروبقا" وغيره من الأمراء في عسكر كثير، ممدا له، فجمع "بركيارق" عساكره وسار إلى حرب خاله إسماعيل، فالتقوا عند الكرج فانحاز الأمير "يلبرد" إلى "بركيارق" وصار معه فانهزم إسماعيل وعسكره وتوجه إلى أصبهان، فأكرمته "تركان خاتون" وخطبت باسمه وضربت اسمه على الدنانير بعد ابنها محمود بن "ملكشاه" وكاد الأمر في الوصلة يتم بينهما، فامتنع الأمراء عند ذلك لاسيما الأمير "أنز" وهو مدبر الأمر ورئيس الجيش وآثروا خروج إسماعيل عنهم، وخافوه وخاف هو أيضا منهم، ففارقهم وأرسل يستأذن أخته "زبيدة" والدة "بركيارق" في اللحاق بهم فأذنت له في ذلك، فوصل إليهم وأقام عندهم أياما يسيرة، فخلا به "كمشتكين الجاندار" و"آقسنقر" و"بوزوان" وبسطوا له في القول فأطلعهم على سره وأنه يريد السلطنة وقتل "بركيارق" فوثبوا عليه فقتلوه وأعلموا أخته خبره فسكتت عنه.