للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ماذا بقلبي من دوام الخفق ... إذا رأيت لمعان البرق

من قبل الأردن أو دمشق ... لأن من أهوى بذاك الأفق

قال: فتنفست تنفسا ظننت أن ضلوعها قد تقصفت منه فقلت لها: هذا والله تنفس عاشق. فقالت: اسكت يا عاجز أنا أعشق بل أنا معشوقة في كل ناد، والله لقد نظرت نظرة مريبة في مجلس فادعاها من أهل المجلس عشرون رئيساً ظريفاً.

قال أحمد بن حمدون: وقع بين عريب وبين محمد بن حامد خصام وكان يجد بها وجدا مفرطا فكادا يخرجان من شرهما إلى القطيعة وكان في قلبها منه كما لها عنده من الحب فلقيته يوما فقالت له: كيف قلبك يا محمد؟ قال: أشقى والله مما كان وأشد لوعة. فقالت: استبدل بديلا فقال لها: لو كانت البلوى بالخيار لفعلت فقالت: لقد طال إذا تعبك. فقال: وما يكون أصبر مكرها أما سمعت قول العباس بن الأحنف:

تعب يكون مع الرجاء بذي الهوى ... خير له من راحة في الياس

لولا كرامكتم لما عاتبتكم ... ولكنتم عندي كبعض الناس

فلما سمعت ذلك ذرفت عيناها واعتذرت وعاتبته واصطلحا وعادا إلى ما كانا عليه من صدق المودة وحسن المعاشرة.

وقال ابن المراكبي: قالت لي عريب: حج بي أبوك وكنت في طريقي أطلب الأعراب فأستنشدهم الأشعار وأكتب عنهم النوادر وجميع ما أسمعه منهم فوقف علينا شيخ من الأعراب يسأل فاستنشدته فأنشدني:

يا عز هل لك في شيخ فتى أبدا ... وقد يكون شباب غير فتيان

فاستحسنته ولم أكن سمعته قبل ذلك قلت فأنشدني باقي الشعر فقال لي: هو يتيم، فاستحسنت قوله وبررته وحفظت البيت وغنيت فيه صوتا من الثقيل الأول ومولاي لا يعلم بذلك لأنه كان ضعيفا، فلما كان في ذلك اليوم عشيا قال لي: ما كان أحسن ذلك البيت الذي أنشدك إياه الأعرابي وقال لك: إنه يتيم أنشدينيه إن كنت حفظتيه فأنشدته وأعلمته أني غنيت به ثم غنيته له فوهب لي ألف درهم بهذا السبب وفرح بالصوت فرحا شديدا. وقال ميمون بن هارون: إنه كان في مجلس جعفر بن المأمون وعندهم أبو عيسى وعلي بن يحيى وبدعة جارية عرب وتحفة وهما تغنيان فذكر علي بن يحيى أن الصوت لغير عريب وذكر أنها لا تدعيه وكابر في ذلك فقام جعفر بن المأمون فكتب رقعة إلى عريب ونحن لا نعلم يسألها عن أمر الصوت وأن تكتب إليه بالقصة فكتبت إليه بخطها بعد البسملة:

هنيئا لأرباب البيوت بيوتهم ... وللعزب المسكين ما يتلمس

أنا المسكين وحيدة فريدة بغير مؤنس وأنتم فيه وقد أخذتم أنسي ومن كان يلهيني (تغني بذلك جاريتها تحفة وبدعة) فأنتم في القصف والعزف وأنا في خلاف ذلك هناكم الله وأبقاكم، وسألت مد الله في عمرك عما اعترض فيه فلان في هذا الصوت والقصة فيه ما هو كذا وذكرت القصة بتمامها مع الأعرابي ولما وصل الجواب إلى جعفر بن المأمون قرأه وضحك، ثم رمى به إلى أبي عيسى وقال: اقرأ وكان علي بن يحيى إلى جانبي فأراد أن يستلب الرقعة فمنعته وقمت إلى ناحية وقرأتها فأنكر ذلك وقال: ما هذا فوارينا الأمر عنه لئلا تقع عربدة وكان مبغضا لها.

وقال أحمد بن الفرات عن أبيه أنه قال كنا يوما عند جعفر بن المأمون نشرب وعريب حاضرة إذ غنى بعض من كان هناك:

<<  <   >  >>