كثيرا من هذه الرسائل لم يصل إليها لأن العساكر المحتلة التي كانت تمسكها عنها وآخر رسالة وصلت إليها قبل الأخيرة كانت من "بريان" يخبرها فيها بما جرى له وبالعصبة القليلة من العساكر الباقية له وأرسل في كتاب آخر يقول: "إني عندما أتذكر أيام شبابي وأقابل سلام تلك الأيام التي مرت علي بالأتعاب والمخاوف التي أتجرعها الآن أركه الحياة وقد سبق لي مرارا كثيرة أنني طلبت الموت بطرق مختلفة ولا يجب أن أخافه الآن وأنا أرى أن موتي الآن يكون بركة، ولكني أريد ثانية أن أرى جوزفين".
فلما وصلت هذه الرسالة إلى "جوزفين" لم تقطع الأمل من نجاح "نابوليون" بل أملت أن الإنسان الذي كان كيفما توجه يلاقي النصر والنجاح لا بد من أن يفوز أخيرا ولو كان حينئذ متقهقرا، وكان ذلك رجاءها إلى أن وصلت إليها الرسالة الآتية:"عزيزتي جوزفين -كتبت إليك في الثامن من هذا الشهر ولكن ربما لم يصل كتابي إليك. القتال قائم على ساق وقدم، وربما كان إبطاله ممكنا، وينبغي تجديد المفاوضات والمراسلات الآن، وقد دبرت كل أموري ولا شك أن هذه التذكرة تصل إليك ولا أحتاج أن أكرر ما ذكرت لك سابقا وقد رثيت وقتئذ لحالي، وأما الآن فإني أهنئ نفسي لأجلها. إن راسي وقلبي قد تخلصا من ثقل عظيم، سقطتي عظيمة، ولكن ربما تكون مفيدة - كما قال البعض- وسأبدل القلم بالسيف في تقهقري، وسيكون تاريخ ملكي غريبا. العلام إلى الآن لم يرني كما أنا ولكنني سأريهم نفسي تماما، ولكن ماذا فعل هؤلاء لي إنهم خانوني جميعا إلا "أيوجين" الذي يستحقك ويستحقني -والآن أستودعك الله يا عزيزتي جوزفين، سلمي كما أني أنا أيضا مسلم ولا تنسي الذي لا ينساك ولن ينساك مدى العمر أستودعك الله ثانية يا جوزفين".
فلما وصلت هذه الرسالة إلى "جوزفين" تكدرت كدرا عظيما وسكبت دموعا غزيرة حتى إذا سكن روعها قليلا قالت: "لا يجب أن أبقى هنا فإن حضوري لازم للإمبراطور. نعم، إن ذلك من واجبات "ماريا لويزا" أكثر مما هو من واجباتي ولكن الإمبراطور وحده ولا يجب أن أتخلى عنه. نعم، إنه كان في غنى في أوقات سعادته، وأما الآن فلا بد أن يكون في انتظاري".
ولما فرغت من هذا الكلام سكتت وتأملت قليلا، ثم التفتت إلى الموكل على بيتها وقالت له:"ربما أعوق الإمبراطور عن أعماله إذا ذهبت، وربما يضطر أن يغير مقاصده لأجلي، أنت ستقيم معي هنا حتى أستخبر من الملوك المتحالفين فإنهم سيحترمون المرا' التي كانت زوجة ل "نابوليون".
نعم، إن الملوك المتحالفين ذكروا "جوزفين" وعرفوها فإن سمو تصرفها عند طلاق "نابوليون" لها كان قد ملأ أوروبا حيرة واندهاشا، وقد كتب إليها الملوك المتحالفون يظهرون شعائر احترامهم وطلبوا منها أن ترجع إلى "ملمازون"، ووكلوا عددا وافرا من الحراس بوقايتها، ومن ذلك الوقت كان منتداها مزدحما بالملوك والأشراف الذين أتوا ليقدموا لها الاحترام على فضائلها الكثيرة، وأول من فعل ذلك كان الامبراطور "إسكندر" إمبراطور الروس، فإنه قال عند أول مواجهة لها: "يا سيدة إني كنت ملتهبا بنار الشوق لمعرفتك فإني من يوم دخلت فرنسا لم اسمع اسمك يذكر إلا بالبركة وقد سمعت خبر أعمالك الملائكية من أحقر البيوت إلى أعظم القصور ويسرني أن أقدم لجلالتك احترامات الجمهور التي أنا حاملها".