كانت تبهر العقول به, وكانت حسيبة نسيبة غنية, ذات مال وافر, هويها جملة من أجلاء عصرها وأدباء زمانها, ولم تلتفت لأحد منهم سوى أبي جعفر بن سعيد, وكانت معه على عفة زائدة. وقالت يوما ارتجالا بين يدي أمير المؤمنين عبد المؤمن:
يا سيد الناس يا من ... يؤمل الناس رفده
أمنن علي بطرس ... يكون للدهر عده
تخط يمناك فيه ... الحمد لله وحده
وأشارت بذلك إلى العلامة السلطانية عند الموحدين فإنها كانت بكتب السلطان بيده بخط غليظ في رأس المنشور الحمد لله وحده. ومن قولها أيضا في الغزل:
ثنائي على تلك الثنايا لأنني ... أقول على علم وأنطق عن خبر
وأنصفها لا أكذب الله إنني ... رشفت بها ريقا أرق من الخمر
وولع بها السيد أبو سعيد عبد المؤمن ملك غرناطة، وتغير بسببها على أبي جعفر بن سعيد حتى أدى عليه أن قتله، وطلب أبو جعفر منها الاجتماع فمطلته قدر شهرين فكتب إليها:
يا من أجانب ذكر اس ... مه وحسبي علامه
ما إن أرى الوعد يقضي ... والعمر أخشى انصرامه
اليوم أرجوك لا أن ... يكون لي في القيامة
لو قد بصرت بحالي ... والليل أرخى ظلامه
أنوح شوقا ووجدا ... إذ تستريح الحمامة
صب أطال هواه ... على الحبيب غرامه
لمن يتيه عليه ... ولا يرد سلامة
إذ لم تنيلي أريحي ... فاليأس يثني زمامه
فأجابته تقول:
يا مدعي في هوى الحس ... ن والغرام الإمامة
أتى قريضك لكن ... لم أرض منه نظامه
أمدعي الحب يثني ... يأس الحبيب زمامه
ضللت كل ضلال ... ولم تفدك الزعامه
ما زلت تصحب مذ كن ... ت في السباق السلامه
حتى عثرت وأخجل ... ت بافتضاح السآمه
بالله في كل وقت ... يبدي السحاب انسجامه
والزهر في كل حين ... يشق عنه كمامه
لو كنت تعرف عذري ... كففت غرب الملامة
ووجهت هذه الأبيات مع موصل أبياته بعدما لعنته وسبته وقالت له: لعن الله المرسل والمرسول فما في جميعكما خير ولا برؤيتكما حاجة، وانصرف بغاية من الخذلان، ولما أطال على أبي جعفر وهو قلق لانتظاره