إذ ذاك ٢٥ سنة، وعمرها ٤٠ سنة·وقيل: خمسة وأربعون· وقيل: غير ذلك· فولدت له أولاده كلهم إلا إبراهيم· وقيل: الذي زوجها عمها عمرو بن أسد لأن أباها مات قبل الفجار، ولما ابتدأ الوحي يبدو للنبي صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل كان متخوفاً من ذلك، وأخبر خديجة فقالت: أبشر فلن يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتؤدي الأمانة، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق·
ثم انطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان قد تنصر وقرأ الكتب وسمع من أهل التوراة والإنجيل فأعلمته بشأنه وسألته خديجة بعد ذلك قائلة: يا ابن العم، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك· قال: نعم· فجاءه جبرائيل فأعلمها· فقالت: قم فاجلس على فخذي اليسرى، ففعل· فقالت: هل تراه· قال: نعم، قالت: فتحول على فخذي اليمنى، ففعل· فقالت: هل تراه· قال: نعم، فألقت خمارها· ثم قالت: هل تراه· فقال: لا، قالت: يا ابن العم أثبت وأبشر فإنه ملك وماهو بشيطان فكانت خديجة أول من آمن به وصدقه· ولما علمه جبريل الوضوء والصلاة أتى إلى خديجة وعلمها ذلك فتوضأت كوضوئه وصلت كصلاته، وبقيت خديجة مع النبي صلى الله عليه وسلم ٢٤ سنة وأشهراً، ولم يتزوج عليها· وتوفيت قبل الهجرة بثلاث سنين بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام· وقيل: بخمسة وخمسين يوماً وعمرها خمس وستون سنة ودفنت بالحجون وحزن النبي عليها ونزل في حفرتها وعظمت عليه المصيبة بوفاة أبي طالب، ثم وفاتها· وكانا من أشد المعضدين له وبعد ثلاث سنين من وفاتها تزوج بعائشة· وقيل: بسودة بنت زمعة· وروي أنه قال: " أفضل نساء الجنة خديجة وفاطمة ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون" · وقيل: إن معاوية اشتري المنزل الذي كانت فهي خديجة وجعله مسجداً· وقال ابن الوردي: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة فحكي لها ما رأى فقالت: أبشر فو الذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة، ثم أتت خديجة ابن عمها ورقة بن نوفل بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي وكان شيخا كبيرا، وكان قد عمي وتنصر في الجاهلية وكتب في التوراة والإنجيل، فلما ذكرت خديجة أمر جبريل وما رأى ميسرة فقال ورقة: إنه ليأتيه الناموس الأكبر، وهذا الناموس الذي أنزل على موسى يا ليتني أكون فيها جذعا حين يخرجه قومه فأخبرت النبي بذلك فقال صلى الله عليه وسلم:" أومخرجي هم؟ " · فقالت: سألته ذلك قال: نعم لم يأت أحد قط بمثل ما جاء به إلا عودي وأوذي وإن يدركني يومه أنصره نصرا مؤزرا في ذلك، وإن رأيت أن ترسليه لي فأخبره عن ذلك· وقال أبياتا منها:
ووصف من خديجة بعد وصف ... فقد طال انتظاري يا خديجا
بما أخبرته من قول قس ... من الرهبان يكره أن يعوجا
بأن محمدا سيسود يوما ... ويخصم من يكون له حجيجا
ويظهر في البلاد ضياء نور ... يقيم به البرية أن تموجا
ألا يا ليتني إن كان ذاكم ... شهدت وكنت أولهم ولوجا
رجائي في الذي كرهت قريش ... ولو عجت بمنكبها عجيجا
ولما انتهى من أبياته قال: أرسلي لي محمدا فإني مخبره بما أريد ولما ذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أخبره ما قاله لخديجة، وأنشد:
يا للرجال لصرف الهم والقدر ... وما لشيء قضاه الله من غير
حتى خديجة تدعوني لأخبرها ... أمرا أراه سيأتي الناس عن أثر
فخبرتني بأمر قد سمعت به ... فيما مضى من قديم الناس والعصر