للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنك إن واصلت عملت بالذي ... لديك فلم يوجد لك الدهر مطمع

قال: نعم، قالت: قد ملحت وشكلت خذ هذه الألف دينار واذهب لأهلك، ثم دخلت وخرجت وقالت: أيكم نصيب؟ قال: أنا، قالت: أنت القائل:

ولولا أن يقال صبا نصيب ... لقلت بنفسي النشأ الصغار

بنفسي كل مهضوم حشاها ... إذا ظلمت فليس لها انتصار

قال: نعم، قالت: ربيتنا صغارا ومدحتنا كبارا خذ هذه الألف دينا والحق بأهلك. ثم دخلت وخرجت فقالت لجميل: مولاتي تقرئك السلام وتقول لك: مازلت مشتاقة لرؤيتك منذ سمعت قولك:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بوادي القرى إني إذا لسعيد

لكل حديث بينهن بشاشة ... وكل قتيل عندهن شهيد

فجعلت حديثنا بشاشة وقتلانا شهداء خذ هذه الألف دينا والحق بأهلك.

ورويت، وكان عمرو بن عثمان لما تزوج نحو هذه ظهرت بها حذاقتها وانتقادها على أفحل الشعراء، وكان عمرو بن عثمان لما تزوج بها عتب عليها يوما وخرج إلى مال له فقالت لأشعب: إن ابن عثمان خرج عاتبا علي فاعلم لي حاله. فقال لها: لا أستطيع أن أذهب الساعة فقالت: أنا أعطيك ثلاثين دينارا قال أشعب: فأتيته ليلا فدخلت الدار، فقال: انظروا من في الدار، فأتوه فقالوا: أشعب، فنزل عن فرشه إلى الأرض. فقال: أشيعب؟ قلت: نعم، قال: ما جاء بك؟ قلت: أرسلتني سكينة لأعلم خبرك أتذكرت منها ما تذكرت منك، وأنا أعلم أنك قد فعلت حين نزلت عن فرشك إلى الأرض. قال دعني من هذا وغنني:

عوجا به فاستنطقاه فقد ... ذكرني ما كنت لم أذكر

قال: فغنيته، فلم يطرب ثم قال: ويحك غير هذا فإن أصبت ما في نفسي فلك حلتي هذه وقد اشتريتها آنفا بثلثمائة دينار فغنيته:

علق القلب بعض ما قد شجاه ... من حبيب أمسى هوانا هواه

ما ضراري نفسي بهجران من لي ... س مسيئا ولا بعيدا نواه

واجتنابي بيت الحبيب وما الخل ... د بأشهى إلي من أن أراه

قال: ما عدوت ما في نفسي، خذا الحلة، قال: فأخذتها ورجعت إلى سكينة فقصيت عليها القصة فقالت: وأين الحلة؟ قلت: معي. فقالت: وأنت الآن تريد أن تلبسها؟ لا والله ولا كرامة، فقلت: قد أعطانيها فأي شيء تريدين مني؟ فقالت: أن أشتريها منك فبعتها إياها بثلثمائة دينار.

وقال بعضهم: كان ابن سريج قد أصابته الريح الخبيثة وآلى يمينا أن لا يغني ونسك ولزم المسجد الحرام حتى عوفي، ثم خرج فأتى المدينة ونزل على بعض إخوانه من أهل النسك والقراءة فأقام في المدينة حولا ثم أراد الشخوص إلى مكة، وبلغ ذلك سكينة فاغتمت لذلك غما شديدا وضاق به ذرعها وكان أشعب يخدمها، وكانت تأنس بمضاحكته ونوادره. فقات لأشعب: ويلك إن ابن سريج شاخص وقد دخل المدينة منذ حول ولم أسمع من غنائه قليلا ولا كثيرا ويعز علي ذلك فكيف الحيلة في الاستماع منه ولو صوتا واحدا؟ فقال لها أشعب: جعلت فداك وأنى لك بذلك، والرجل اليوم زاهد ولا حيلة فيه فارفعي طمعك وامسحي بوزك تنفعك حلاوة فمك، فأمرت بعض جواريها فوطئن بطنه حتى كادت أن تخرج أمعاؤه وخنقته حتى كادت نفسه أن تتلف

<<  <   >  >>