للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فما كان بعد قليل إلا أن مرت من هناك قهرمانة ضياء وصارت إلى مخدعها للرقاد - هذا ما رآه من وراء الباب في بادئ الأمر.

وأما ضياء فإنها لما بلغها قبض رئيس الشرطة على زوجها علمت أن الملك أمر بذلك لكي يأتي إليها فلا يراه وقدرت أنه لا يفرج عنه في تلك الليلة مع كل ما أكد لها أبوها أن الملك وعده بان يفرج عنه بعد رجوعه بقليل، فباتت وهي تنتظر دخول الملك عليها لتلومه على حبس زوجها وتخوفه العواقب الوخيمة التي تنالها منه، وإذا به قد فتح الباب (وذلك بعد انصراف القهرمانة) وانطرح بين قدميها وقال لها: يا سيدتي، لا تقضي علي بالشر قبل أن تسمعي اعتذاري فإني لم أحجز على زوجك إلا لتكون لي فرصة للاجتماع بك وإظهار الحقيقة لك، فإذا فرجت عنه لم تبق لي وسيلة إلى ذلك.

فأقوال من حيث إن حرمانك حبا لي وفقدانك من بين يدي قد أحدث بي ألما لا يعبر عنه اللسان فدعيني أخفف هذا الألم بتأكيدي لك أني لم أخن عهودي إليك في شيء من الأشياء، وإني إنما وعدت (سلطانة) بالاقتران بها سياسة أكرهني عليها أبوك سامحه الله لا رضا من نفسي وإلا فإن أعمالي في الليل والنهار كانت للتمكن من التزوج بك دونها، فكان من سوء الحظ ونكد الطالع أنك سلمت نفسك إلى هذا المركيس، وجعلت لي ولك حزنا لا ينفك آخر الدهر. قال هذا الكلام وقد ظهر على وجهه يأس فهمته منه ضياء وسرت منه في بادئ الأمر لتحققها عشق الملك لها.

ثم فطنت لتزوجها بالمركيس وفقدانها هناء الوصال من الملك، فتقطعت حزنا وقالت: أيها الملك إن معرفتي بعد حكم الزمان بتفريق شملنا أنك لم تخني في عهودي لما يزيد فؤادي على علاته وصبا ولكن طالعي أبى إلا أن يكون نكدا فظننت أنك نسيتني بعد جلوسك على أريكة السلطنة حتى إذا أمرني أبي بأن أتقبل المركيس زوجا لم أخالفه بذلك فكان مثلي كالرجل الباحث على حتفه بظلفه والويل لي على ما كان مني مذ خنت اليمين بعد توكيدها إليك، فانتقم لنفسك مني بأن تهجرني وترفع ذكري من خاطرك. فقال بصوت: ليس بمقدرتي يا سيدتي أن أهجر هواك ولا تعذليني على ذلك فإن العذل يولعني ويزيدني جوى! فقالت وهي تتنهد: ولكني أرى من السداد أن تجهد نفسك بذلك فقال: وهل في استطاعتك أنت أن ترفعي ذكر عشقنا من خاطرك؟ فقالت: لا أظن ولكن أبذل الوسع فيه فقال: يا قاسية القلب، أتعرضين عن محب قتله هواك وعلقت بك محبته أيام الصبا بمجرد عزم تعزمين عليه؟ فقالت كأنها ترفع عنها المذلة: أتظن بأني أرضى بأن تكون لي اليوم عاشقا لا وحياتك فإن القدر إذا لم يقدر لي بأن أكون ملكة، فلذلك لم يقدر علي بأن أخون زوجي وهو من القدر والفخامة بمنزلة لا تقل عن منزلتك لأن أجدادك هم أجداده وقد دانت لهم الملوك أيضا كما دانت لك اليوم وإني أحلف عليك بالأيمان أن تنصرف عني ولا تذل عرضي وشرفي.

فصاح الملك: يا للجفاء والقسوة! أما كفى بي حزنا أن تكوني زوجة المركيس حتى تعامليني بهذا الجفاء وتحرميني من رؤيتك التي لا سلوة لي غيرها؟ فبكت، وقالت: بذا قضت الأيام، فانصرف عني فإن رؤيتك تهيجني شوقا إليك وتحدث خفقانا في قلبي لتذكري أيام الصبا، كما أن أحشائي تضطرب اضطرابا، وقل أن يكون في العاشقين مثله عند اجتماعهم بأحبابهم فاذهب وخلص شرفي من المحاربات التي تخالج فؤادي فقالت هذا الكلام وأخذت في نفسها حتى إنها قلبت شمعة منورة كانت وراءها على مائدة من غير أن تفطن لذلك فتناولتها بيدها وسارت إلى مقصورة القهرمانة لتشعلها، فلما عادت ألح عليها الملك بأن لا تعرض عن حبه ليبقى الحب بينهما متبادلا، فلما سمع المركيس كلامه اتقدت به نار الغيرة ووثب إلة المقصورة غضبا في ذات

<<  <   >  >>