أعرض أنني بينما أنا ألهج بذكر ألطافكم السنية، وأتنسم شذا أنفاسكم العبقرية، وأترقب لقاء أثر من لدنكم يتعلل به الخاطر، ويكتحل بإثمد مداده الناظر، وصلتني مشرفتكم الكريمة، وفريدة عقد وردكم اليتيمة، فجلت عن العين أقذاءها، وردت إلى النفس صفاءها، فتناولها بالقلب لا بالبنان، وتصفحت ما في طيها من سحر البيان. فقلت:
هذا الكتاب الذي هام الفؤاد به ... يا ليتني قلم في كف كاتبه
لعمري إنه كتاب حوى بدائع المنثور والمنظوم، وتحلى من درر الفصاحة فأخجلت لديه دراري النجوم، وقد تطفلت على مقامكم العالي بهذا الجواب ناطقا بتقصيري، وضمنته من مدح سجاياكم الغراء وما يشفع لدى مكارمكم في قبول معاذيري، لا زلتم للفضل معدنا وذخرا وللأدب كنزا وفخرا:
أتت فشفت بطيب الوصل قلبي ... فتاة تيمت قلبي المحب
بديعة منظر سلبت فؤادي ... ومن لي أن أطالبها بسلبي
جلت وجها كبدر التم لكن ... يلوح من الغدائر تحت حجب
لها وشم كخط السحر وافى ... لديه الخال بالتنقيط يسبي
فصيحة منطق ناغت بلفظ ... كسلسال من الصهباء عذب
أتت تروي لنا عن لطف ذات ... غدت باللطف تسبي كل لب
وقد أهدت تحيات تحاكي ... شذا النسمات عاطرة المهب
رسول للولاء دعت فؤادي ... فبادر عند دعوتها يلبي
ولاء كريمة من خير قوم ... سموا شرفا على عجم وعرب
سراة شاع ذكرهم فأمسى ... مناط المدح فيشرق وغرب
لقد ورثوا المعالي من قديم ... وصانوها بشفرة كل غضب
هم النجب الأولى كرموا وطابوا ... ولم يلدوا كذلك غير نجب
وحسبك منهم خود تبدت ... بهذا العصر تخجل كل ندب
فتاة زينب جيد المعالي ... بدر من حلي الآداب رطب
أهيم بها على بعد وماذا ... على الأقدار إن سمحت بقرب
على مصر السلام وساكنيها ... وما في مصر من ماء وترب
على ربع به قلبي مقيم ... ومن لي أن أقيم مكان قلبي
ألا يا من سمت فيكل فضل ... ونالت كل خلق مستحب
ومن فاضت مكارمها فأحيت ... لدي من القريحة كل جدب
لقد أوليتني كرما وجودا ... بمدح من صفاتك جاء ينبي
ثاء لست منه غير أني ... به فاخرت أترابي وصحبي
ورب مؤلف كالروض أجرت ... عليه سما البلاغة أي سحب
تهادت فيه أبكار المعاني ... تجر من الفصاحة ذيل عجب
لقد طابت فكاهته وأهدى ... لأسقام القرائح خير طب